واعلم أن التحقيق الحقيق في هذا المقام أن العلم المأمور موسى عليه السلام بتعلمه من الخضر هو العلم الباطني المتعلم بطريق الإشارة لا العلم الباطني المتعلم بطريق المكاشفة ولا العلم الظاهري المتعلم بطريق العبارة والدليل عليه إرسال الحق سبحانه موسى إلى عبده الخضر وعدم تعليمه بواسطة أمين الوحي جبرائيل وتعليم الخضر بطريق الإشارة بالأمور الثلاثة لكن لما كان الظاهر بالنظر إلى غلبة جانب علم الظاهر في وجود موسى أن يطلب تعلمه بطريق العبارة لا بطريق الإشارة وطريقه طريق الإشارة لا طريق العبارة قال : إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً من طريق التعلم بالإشارة لا بالعبارة والغالب عليك إنما هو طريق العبارة لا طريق الإشارة كما أن الغالب علي طريق الإشارة لا طريق العبارة ولكل وجهة هو موليها قل كل يعمل على شاكلته.
ثم إن الإمام الأعظم من الحسن البصري رحمهما الله تعالى بمنزلة موسى من الخضر عليهما السلام كما أن العكس بالعكس من جهة ما هو الغالب في نشأة كل منهما ولذلك أفاد الإمام الهمام العلم الظاهري غالباً وتقيد بترتيب أنوار الشريعة وأحكامها عبارة وصراحة وأفاد العلم الباطني نادراً وتعرض لأسرار الحقيقة ودقائقها إشارة وكناية بخلاف الحسن البصري فالإمام شمسي المشرب والحسن قمري المشرب ولذلك كان فلك الإمام أعظم وأوسع من فلك الحسن البصري وكان الإمام رحمة لأهل العموم عامة وكان الحسن البصري رحمة لأهل الخصوص خاصة والإمام مظهر اسم الرحمن والحسن مظهر اسم الرحيم ويدل على هذا كله انتشار مذهبه شرقاً وغرباً وهو من جميع المذاهب بمنزلة النبوة المحمدية والولاية العيسوية من جميع النبوات والولايات من جهة الخاتمية وحيث يختم به جميع المذاهب
٢٧٢
الحقة كما ختم بالنبوة المحمدية جميع النبوات ويختم بالولاية العيسوية جميع الولايات ولكون مشربه ومذهبه شمسياً سمي سراج الأمة وكاشف الغمة ورافع الظلمة ودافع البدعة ومحيي الدين وحافظ الشريعة بالكتاب والسنة ولكون مشرب الحسن ومذهبه قمرياً أنار القلوب والنفوس والطبائع المظلمة بظلمة الغفلة والهوى بأنوار المعرفة وأسرار الحقيقة والهدى تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وفي تقديم السراج على القمر المنير إشارة إلى تقديم رتبة الإمام على رتبة الحسن إذ هو مظهر اسم الأول والظاهر والحسن مظهر اسم الآخر والباطن والأولان مقدمان على الثانيين بتقديم إلهي في قوله تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٥
﴿هُوَ الاوَّلُ وَالاخِرُ وَالظَّـاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ (الحديد : ٣) وهذا التفاوت إنما هو باعتبار ترتيب المراتب وأما في أصل الكمال وحقيقة الفضل فهم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها لسر يعرفه من يعرف ويغفل عنه من يغفل ورئيس أهل الذكر الصوفية الحنفية هو الإمام الأعظم الأكمل ورئيس أهل الذكر الصوفية الشافعية هو الإمام الشافعي الأفضل ورئيس أهل الذكر الصوفية الحنبلية هو الإمام الحنبلي التقي ورئيس أهل الذكر الصوفية المالكية هو الإمام مالك الزكي وهؤلاء الأئمة العظام كالخلفاء الأربعة كالنجوم بل كالأقمار بل كالشموس بأيهم اقتدى السالك اهتدى الحق المبين وهم لدين الحق كالأركان الأربعة للبيت وهم أيضاً من سائر الأقطاب والأولياء كالعرش والشمس من الأفلاك والنجوم وليس لغيرهم ممن بعدهم إلى يوم القيامة بدون الاقتداء بهم اهتداء إلى طريق الجنة والرؤية ومن اقتدى بهم في الشريعة والطريقة والحقيقة وعلم علومهم وعمل أعمالهم وتأدب بآدابهم على مذهب أيهم كان بحسب وسعه فلا شك أنه اقتفى أثر رسول الله عليه السلام ومن لم يقتد بهم في ذلك فلا شك أنه ضل عن أثر الرسول وخرج عن دائرة القبول هذا كله كلام حضرة شيخي وسندي مع اختصار.
وأما ما يلوح من كلمات بعض المشايخ من أن المجتهدين لم ينالوا العشق فله محامل ذكرنا بعضاً منها في كتابنا الموسوم "بتمام الفيض" والذي يظهر أنها كلمات صدرت حالة السكر والغلبات فلا اعتبار بها والأدب التام أن يمسك عنهم إلا بخير الكلام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٥


الصفحة التالية
Icon