خاطرت كى رقم فيض ذيرد هيهات
مكر از نقش راكنده ورق ساده كنى
وينقاد لأوامره ونواهيه كما كان فإن كليم الله لم يمنعه النبوة والرسالة ومجيىء جبريل وإنزال التوراة ومكالمة الله واقتداء بني إسرائيل به أن يتبع الخضر ويتواضع له وترك أهاليه واتباعه وأشياعه وكل ما كان له من المناصب والمناقب وتمسك بذيل إرادته منقاد لأوامره ونواهيه.
﴿قَالَ﴾ الخضر ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا﴾ نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد كأنه مما لا يصح ولا يستقيم والمراد نفي الصبر على ما يدل عليه قوله وكيف تصبر ويلزم من نفيها نفيه.
وفيه دليل على أن الاستطاعة مع الفعل (موسى كفت را صبر نتوانم كرد كفت بجهت آنكه تو يغمبرى وحكم تو بر ظاهر است شايدكه ازمن عملى صادر شود در ظاهر آن منكر وناشايسته نمايد وجه حكمت آنراندانى وبرآن صبر كردن نتوانى).
﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِه خُبْرًا﴾ تمييز من خبر يخبر كنصر وعلم بمعنى عرف أي : لم يحط به خبرك أي : علمك وهو إيذان بأنه يتولى أموراً خفية منكرة الظواهر والرجل الصالح لا سيما صاحب الشريعة لا يصبر إذا رأى ذلك ويأخذ في الإنكار.
قال الإمام المتعلم قسمان منه من مارس العلوم ومنه من لم يمارسها والأول إذا وصل إلى من هو أكمل منه عسر عليه التعلم جداً لأنه إذا رأى شيئاً أو سمع كلاماً فربما أنكره وكان صواباً فهو لألفته بالقيل والقال يغتر بظاهره ولا يقف على سره وحقيقته فيقدم على النزاع ويثقل ذلك على الأستاذ وإذا تكرر منه الجدل حصلت النفرة وإليه أشار الخضر بقوله :﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا﴾ لأنك ألفت الكلام والإثبات والإبطال والاعتراض والاستدلال ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِه خُبْرًا﴾ أي : لست تعلم حقائق الأشياء كما هي.
قال حضرة شيخي وسندي روح الله روحه في كتاب "اللائحات البرقيات" كل واحد من العلمين أي : الظاهر والباطن موجود في وجود كل من موسى والخضر عليهما السلام إلا أن الغالب في نشأة موسى هو العلم الظاهري كما يدل عليه رسالته وقوله للخضر ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ لأن المتعلم من المخلوق إنما هو العلم الظاهري المتعلم بالحرف والصوت لا العلم الباطني المتعلم من الله بلا حرف وصوت بل بذوق وكشف إلهي وإلقاء وإلهام سبحاني لأن جميع علوم الباطن إنما تحصل بالذوق والوجدان والشهود والعيان لا بالدليل والبرهان وهي ذوقيات لا نظريات فإنها ليست بطريق التأمل السابق ولا بسبيل التعلم اللاحق بترتيب المبادي والمقدمات وعلى اعتبار حصولها بطريق الانتقال بالواسطة لا بطريق الذوق بغير الواسطة والغالب في نشأة الخضر هو العلم الباطني كما يدل عليه ولايته ولو قيل بنبوته وقوله لموسى عليه السلام :﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِه خُبْرًا﴾ يعني : بحسب غلبة جانب علم الظاهر وعلم الرسالة على جانب علم الباطن وعلم الولاية إذ الحكم للأغلب القاهر انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٣
وفي "التأويلات النجمية" : ومن الآداب أن يكون المريد ثابتاً في الإرادة بحيث لو يرده الشيخ كرات بعد مرات ولا يقبله امتحاناً له في صدق الإرادة يلازم عتبة بابه ويكون أقل من ذباب فإنه كلما ذب آب كما كان حال كليم الله فإنه كان الخضر يرده ويقول له :﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِه خُبْرًا﴾ أي : كيف تصبر على فعل يخالف مذهبك ظاهراً ولم يطلعك الله على الحكمة في إتيانه باطناً ومذهبك أنك تحكم بالظاهر على ما أنزل الله عليك من علم الكتاب ومذهبي أن أحكم بالباطن على ما أمرني الله من العلم اللدني وقد كوشفت بحقائق الأشياء ودقائق الأمور في حكمة إجرائها وذلك أنه تعالى أفناني عني بهويته وأبقاني به بألوهيته فبه أبصر وبه أسمع وبه أنطق وبه آخذ وبه أعطي وبه أفعل وبه أعلم فإني لا أعلم ما لم يعلم وأنه يقول ستجدني.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٣