ثم إن امتحان الله وامتحان أوليائه شديد فلا بد من الصبر والتسليم والرضى :
قفل زفتست وكشاينده خدا
دست در تسليم زن اندر رضا
قال الخجندي :
بجفا دوشدن ازتو نباشد محمود
هركجا اى ايازست سر محمودست
وعن الشيخ أبي عبد الله بن خفيف قدس سره قال : دخلت بغداد قاصداً الحج وفي رأسي نخوة الصوفية يعني حدة الإرادة وشدة المجاهدة وإطراح ما سوى الله قال : ولم آكل أربعين يوماً ولم أدخل على الجنيد وخرجت ولم أشرب وكنت على طهارتي فرأيت ظبياً في البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشاناً فلما دنوت من البئر ولى الظبي وإذا الماء في أسفل البئر فمشيت وقلت : يا سيدي أمالي عندك محل هذا الظبي فسمعت من خلفي يقال : جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء إن الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل وأنت جئت ومعك الركوة والحبل فرجعت فإذا البئر ملآن فملأت ركوتي وكنت أشرب منها وأتطهر إلى المدينة ولم ينفذ الماء فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد قدس سره عليّ قال : لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت صبر ساعة اللهم اجعلنا من أهل العناية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٧
﴿فَانطَلَقَا﴾ الفاء فصيحة والانطلاق الذهاب أي : فقبل الخضر عذر موسى عليه السلام فخرجا من السفينة فانطلقا ﴿حَتَّى إِذَآ﴾ (تاون) ﴿لَقِيَا﴾ في خارج قرية مرا بها ﴿غُلَـامًا﴾ (سرى را زيباروى وبلندقامت خضر اورا درس ديوارى يبرد) ﴿فَقَتَلَهُ﴾ عطف على الشرط بالفاء أي : فقتله عقيب اللقاء واسمه جيسور بالجيم أو حيسور بالحاء أو حينون قاله السهيلي ومعنى قتله أشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطة وقلع رأسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله" كذا في الصحيحين برواية أبي بن كعب رضي الله عنه ﴿قَالَ﴾ موسى والجملة جزآء الشرط ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةَ﴾ طاهرة من الذنوب لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث أي : الإثم والذنب وهو قول الأكثرين.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو زاكية والباقون زكية فعيلة للمبالغة في زكاتها وطهارتها وفرق بينهما أبو عمرو بأن الزاكية هي التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم تابت ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ بغير قتل نفس محرمة يعني لم تقتل نفساً فيقتص منها.
قيل الصغير لا يقاد فالظاهر من الآية كبر الغلام وفيه أن الشرائع مختلفة فلعل الصغير يقاد في شريعته ويؤيد هذا الكلام ما نقل البيهقي في "كتاب المعرفة" أن الأحكام إنما صارت متعلقة بالبلوغ بعد الهجرة.
وقال الشيخ تقي الدين السبكي إنها إنما صارت متعلقة
٢٧٩
بالبلوغ بعد أحد.
وقال في "إنسان العيون" : إنما صح إسلام علي رضي الله عنه مع أنهم أجمعوا على أنه لم يكن بلغ الحلم ومن ثم نقل عنه رضي الله عنه أنه قال :
سبقتكمو إلى الإسلام طرا
صغيراً ما بلغت أوان حلمي
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٩
أي كان عمره ثماني سنين لأن الصبيان كانوا إذ ذاك مكلفين لأن القلم إنما رفع عن الصبي عام خيبر.
قال في "الإرشاد" : وتخصيص نفي هذا المبيح بالذكر من بين سار المبيحات من الكفر بعد الإيمان والزنى بعد الإحصان لأنه أقرب إلى الوقوع نظراً إلى حال الغلام وفي الحديث "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً"، فإن قلت : ما معنى هذا وقد قال عليه السلام :"كل مولود يولد على الفطرة"، قلت : المراد بالفطرة استعداده لقبول الإسلام وذلك لا ينافي كونه شقياً في جبليته أو يراد بالفطرة قولهم بلى حين قال الله :"ألست بربكم"، قال النووي لما كان أبواه مؤمنين كان هو مؤمناً أيضاً فيجب تأويله بأن معناه والله أعلم أن ذلك الغلام لو بلغ لكان كافراً ﴿لَقَدْ جِئْتَ﴾ فعلت ﴿شَيْـاًا نُّكْرًا﴾ منكراً أنكر من الأول لأن ذلك كان خرقاً يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه.
وقيل الأمر أعظم من النكر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.
قال جماعة من القراء نصف القرآن عند قوله تعالى :﴿لَّقَدْ جِئْتَ شَيْـاًا نُّكْرًا﴾.
﴿قَالَ﴾ الخضر :﴿أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا﴾ توبيخ لموسى على ترك الوصية وزيادة لك هنا لزيادة العتاب على تركها لأنه قد نقض العهد مرتين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٩


الصفحة التالية
Icon