﴿قَالَ﴾ موسى ﴿إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْء﴾ (اى يزى كه صادر شود مثل اين افعال منكره) ﴿بَعْدَهَا﴾ أي : بعد هذه المرة ﴿فَلا تُصَـاحِبْنِى﴾ أي : لا تكن صاحبي ومقارني بل أبعدني عنك وإن سألت صحبتك ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى﴾ (بدرستى كه رسيدى از نزديك من) ﴿عُذْرًا﴾ أي : قد وجدت عذراً من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات.
وبالفارسية (ون سه بار مخالفت كنم هرآينه درترك صحبت من معذور باشى) العذر بضمتين والسكون في الأصل تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه بأن يقول لم أفعل أو فعلت لأجل كذا أو فعلت فلا أعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس.
والاعتذار عبارة عن محو أثر الذنب وأصله القطع يقال : اعتذرت إليه أي : قطعت ما في قلبه من الموجدة وفي الحديث :"رحم الله أخي موسى استحيى فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب".
وفي "الخصائص الصغرى" : ومن خصائصه صلى الله عليه وسلّم أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا أحدهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما السلام والمراد بالشريعة الحكم
٢٨٠
بالظاهر وبالحقيقة الحكم بالباطن وقد نص العلماء على أن غالب الأنبياء إنما بعثوا ليحكموا بالظاهر دون ما اطلعوا عليه من بواطن الأمور وحقائقها وبعث الخضر ليحكم عليه من بواطن الأمور وحقائقها ومن ثمة أنكر موسى على الخضر في قتله للغلام بقوله :﴿لَّقَدْ جِئْتَ شَيْـاًا نُّكْرًا﴾ فقال له الخضر : وما فعلته عن أمري ومن ثمة قال الخضر لموسى إني على علم من عند الله لا ينبغي لك أن تعمل به لأنك لست مأموراً بالعمل به وأنت على علم من عند الله لا ينبغي لي أن أعمل به لأني لست مأموراً بالعمل به.
وفي "تفسير ابن حبان" : والجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه معرفة بواطن أمور أوحيت إليه أي : ليعمل بها وعلم موسى الحكم بالظاهر أي : دون الحكم بالباطن ونبينا صلى الله عليه وسلّم حكم بالظاهر في أغلب أحواله وحكم بالباطن في بعضها بدليل قتله عليه السلام للسارق وللمصلي بما اطلع على باطن أمرهما وعلم منهما ما يوجب القتل.
وقد ذكر بعض السلف أن الخضر إلى الآن ينفذ الحكم بالحقيقة وأن الذين يموتون فجأة هو الذين يقتلهم فإن صح ذلك فهو في هذه الأمة بطريق النيابة عن النبي صلى الله عليه وسلّم فإنه صار من أتباعه عليه السلام كما أن عيسى عليه السلام عندما ينزل يحكم بشريعته نيابة عنه لأنه من أتباعه.
وفيه أن عيسى اجتمع به صلى الله عليه وسلّم اجتماعاً متعارفاً ببيت المقدس فهو صحابي كذا في "إنسان العيون"، يقول الفقير : لا وجه لتخصيص عيسى فإنه عليه السلام كما اجتمع به عليه السلام ذلك الاجتماع كذلك الخضر والياس عليهما السلام اجتمعا به اجتماعاً متعارفاً كما سبق فهما صحابيان أيضاً.
وفيه بيان شرف نبينا صلى الله عليه وسلّم حيث أن هؤلاء الأنبياء الكرام استمهلوا من الله تعالى ليكونوا من أمته :
سر خيل انبيا وسهدار اتقيا
سلطان باركاه دنى قائد امم
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٧٩
﴿فَانطَلَقَا﴾ أي : ذهبا بعدما شرطا ذلك ﴿حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ هي أنطاكية بالفتح والكسر وسكون النون وكسر الكاف وفتح الياء المخففة قاعدة العواصم وهي ذات أعين وسور عظيم من صخر داخله خمسة أجبل دورها اثنا عشر ميلاً كما في "القاموس".
قال الكاشفي :(واهل ديه ون شب شدى دروازه دربستندى وبراى هيكس نكشادندى نماز شام موسى وخضر بدان ديه رسيدند وخواستندكه بديه در آيند كسى دروازه مكشود واهل ديه را كفتند اينجا غريب رسيده ايم كرسنه نيز هسنيم ون مارا درديه جاى نداديد بارى طعام جهت ما يفر ستيد) وذلك قوله تعالى :﴿اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا﴾ أي : طلبا منهم الطعام ضيافة.
قيل : لم يسألاهم ولكن نزولهما عندهم كالسؤال منهم.
قال في "الأسئلة المقحمة" : استطعم موسى ههنا فلم يطعم وحين سقى لبنات شعيب ما استطعتم وقد أطعم حيث قال :﴿إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ (القصص : ٢٥) والجواب ههنا أن الحرمان كان بسبب المعارضة بحيث لم يكتف بعلم الله بحاله بل جنح إلى الاعتماد على مخلوق فأراد السكون بحادث مسبوق وهناك جرى على توكله ولم يدخل وساطة بين المخلوقين وبين ربه بل حط الرحل ببابه فقال :﴿رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ (القصص : ٢٨) قال الحافظ :
فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى
كه جزدعاى توام نيست هي دست آويز
٢٨١
وقال :
ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم
با دشه بكوى كه روزى مقدرست