ومنها : أن من عواطف إحسان الله تعالى أنه إذا أخذ من العبد المؤمن شيئاً من محبوباته وهو مضر له والعبد غافل عن مضرته فإن صبر وشكر فالله تعالى يبدله خيراً منه مما ينفعه ولا يضره كما قال تعالى ﴿فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ الآية كما في "التأويلات النجمية" : نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الشاكرين في الشريعة والطريقة ويوصلنا إلى ما هو خير وكمال في الحقيقة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٣
﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ﴾ المعهود ﴿فَكَانَ لِغُلَـامَيْنِ يَتِيمَيْنِ﴾ اسمهما اصرم وصريم ابنا كاشح وكان سياحاً تقياً واسم أمهما دنيا فيما ذكره النقاش ﴿فِى الْمَدِينَةِ﴾ في القرية المذكورة فيما سبق وهي أنطاكية ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ﴾ أي : تحت الجدار ﴿كَنزٌ لَّهُمَا﴾ (كنجى براى ايشان) هو في الأصل مال دفنه إنسان في أرض وكنزه يكنزه أي : دفنه أي مال مدفون لهما من ذهب وفضة روى ذلك مرفوعاً وهو الظاهر لإطلاق الذم على كنزهما في قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ (التوبة : ٣٤) لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق.
وقيل كان لوحاً من ذهب أو من رخام مكتوب فيه "بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يؤمن بالقدر" أي : أن الأمور كائنة بقضاء الله تعالى وتقديره "كيف يحزن"؟ أي : على فوات نعمة وإتيان شدة "وعجبت لمن يؤمن بالرزق" أي : أن الرزق مقسوم والله تعالى رازق كل أحد "كيف ينصب"؟ أي : يتعب في تحصيله "وعجبت لمن يؤمن بالموت" أي : أنه سيموت وهو حق "كيف يفرح"؟ أي : بحياته القليلة القصيرة "وعجبت لمن يؤمن بالحساب" أي : أن الله تعالى يحاسب على كل قليل وكثير "كيف يغفل"؟ أي : عن ذلك ويشغل بتكثير متاع الدنيا "وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله وعجبت لمن يؤمن بالنار كيف يضحك" وفي الجانب الآخر
٢٨٦
مكتوب "أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه" وهو قول الجمهور كما في "بحر العلوم".
﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـالِحًا﴾ كان الناس يضعون الودائع عند ذلك الصالح فيردها إليهم سالمة فحفظاً بصلاح أبيهما في مالهما وأنفسهما.
قال جعفر بن محمد : كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء فيكون الذي دفن ذلك الكنز جدهما السابع ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ﴾ بالأمر بتسوية الجدار ﴿أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا﴾ أي : حلمهما وكمال رأيهما.
قال في "بحر العلوم" : الأشد في معنى القوة جمع شدة كانعم في نعمة على تقدير حذف الهاء وقيل لا واحد له وبلوغ الأشد بالإدراك وقيل أن يونس منه الرشد مع أن يكون بالغاً وآخره ثلاث وثلاثون سنة أو ثماني عشرة وإنما قال الخضر في تأويل خرق السفينة
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٣