وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كان إبراهيم عليه السلام بمكة فأقبل عليها ذو القرنين فلما كان بالأبطح قيل له في هذه البلدة إبراهيم خليل الرحمن فقال ذو القرنين ما ينبغي لي أن أركب في بلدة فيها إبراهيم خليل الرحمن فنزل ذو القرنين ومشى إلى إبراهيم فسلم عليه إبراهيم واعتنقه فكان هو أول من عانق عند السلام كما في "إنسان العيون ودرر الغرر" فعند ذلك سخر له السحاب لأن من تواضع رفعه الله فكانت السحاب تحمله وعساكره وجميع آلاتهم إذا أرادوا غزوة قوم وسخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه.
ون نهد در تو صفات جبرئيل
همو فرخى برهوا جويى سبيلون نهند در تو صفتهاى خرى
صد رت كرهست در آخور رى
ونكه شم دل شده محرم بنور
ظلمت كون ومكان شد ازتو دورهركه نا بينا شود اندر جهان
روز او باشب برابر بى كمان
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَه فِى﴾ أراده من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه ﴿سَبَبًا﴾ أي : طريقاً يوصل إليه وهو كل ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة.
وبالفارسية (دست آويزى كه بدان سبب اورا آن يز ميسر ميشد).
﴿فَأَتْبَعَ﴾ بالقطع أي : فأراد بلوغ المغرب فاتبع ﴿سَبَبًا﴾ يوصله إليه أي : لحقه وتبعه وسلكه وسار.
قال في "القاموس" : واتبعتهم تبعتهم وذلك إذا كانوا سبقوك فلحقتهم واتبعتهم أيضاً غيري وقوله تعالى :﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ﴾ (يونس : ٩٠) أي : لحقهم ففي الاتباع معنى الإدراك والإسراع.
قال ابن الكمال : يقال تبعه اتباعاً إذا طلب الثاني اللحوق بالأول وتبعه تبعاً إذا مر به ومضى معه.
قال في "الإرشاد" : ولعل قصد بلوغ المغرب ابتداء لمراعاة الحرمة الشمسية انتهى.
وقال في "التبيان" : قصد إلى ناحية المغرب يطلب عين الحياة عند بحر الظلمات لأنه قيل له ثمة عين الحياة من شرب منها لم يمت أبداً إلى يوم القيامة فمشى نحو الظلمات لعله يقع بالعين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٠
وفي "التأويلات النجمية" يشير بقوله :﴿وَيَسْـاَلُونَكَ﴾ الآية إلى أن السائل لا يرد وأن في القصص للقلوب عبرة وتقوية وتثبتاً وبقوله :﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَه فِى الأرْضِ﴾ يشير إلى تمكن الخلافة أي : مكناه بخلافتنا في الأرض وآتيناه بالخلافة ما كان سبب وجود كل مقدور من مقدوراتنا بالأصالة حتى
٢٩١
صار قادراً على قلب الأعيان وكانت الدنيا مسخرة له فلو أراد طويت له الأرض وإذا شاء مشى على الماء وإذا أحب طار في الهواء ويدخل النار فاتبع سبباً كل مقدور فصار مقدوراً له بالخلافة في الأرض ما كان مقدوراً لنا بالأصالة في السماء والأرض انتهى.
يقول الفقير : إنما بدأ بالسير إلى المغرب إشارة إلى كون ترتيب السلوك عروجاً فإن المغرب إشارة إلى الأجسام والمشرق إلى الأرواح فما دام لم يتم سير الأجسام من الأكوان لا يحصل الترقي إلى عالم الأرواح ثم إلى عالم الحقيقة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٠
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ﴾ (تا ون رسيد) ﴿مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ إلى منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يتمكن أحد من مجاوزته وقف على حافة البحر المحيط.
قال الشيخ : أي بلغ قوماً في جهة ليس وراءهم أحد لأنه لا يمكنه أن يبلغ موضع غروب الشمس.
قال في "التبيان" ولما وصل ذو القرنين إلى مغرب الشمس يطلب عين الحياة قال له شيخ : هي خلف أرض الظلمة ولما أراد أن يسلك في الظلمة سأل أي : الدواب في الليل أبصر قالوا الخيل فقال : أي : الخيل أبصر قالوا الإناث فقال أي : الإناث : أبصر قالوا البكارة فجمع من عسكره ستة آلاف فرس كذلك فركبوا الرماك وترك بقية عسكره فدخلوا الظلمات فساروا يوماً وليلة فأصاب الخضر العين لأنه كان على مقدمة جيشه صاحب لوائه الأكبر فشرب منها واغتسل وأخطأ ذو القرنين، قال الحافظ :
فيض ازل بزور زر ار آمدى بدست
آب خضر نصيبه اسكندر آمدى