فساروا على حصحاص من حجارة لا يدرون ما هي فسألوه عنها فقال الإسكندر : خذوا من هذه الحجارة ما استطعتم فإنه من أقل منها ندم ومن أكثر منها ندم فأخذوا وملأوا مخالي دوابهم من تلك الحجارة فلما خرجوا نظروا إلى ما في مخالبهم فوجدوه زمرداً أخضر فندموا كلهم لكونهم لم يكثروا من ذلك ﴿وَجَدَهَا﴾ أي : رأى الشمس تغرب في عين حمئة} أي : ذات حمأة وهي الطين الأسود، بالفارسية :(آب مكدر لاى آميز) من حمئت البئر إذا كثرت حمأتها ولعله لما بلغ ساحل البحر رآها كذلك إذ ليس في مطمح نظره غير الماء كراكب البحر ولذلك قال :﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ﴾ ولم يقل كانت تغرب.
وقال بعضهم : لما بلغ موضعاً لم يبق بعده عمارة في جانب المغرب وجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة كما أن راكب البحر يراها كأنها تغرب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر وإلا فقد علم أن الأرض كرة والسماء محيطة بها والشمس في الفلك وجلوس قوم في قرب الشمس غير موجود والشمس أكثر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض.
قال السمرقندي رحمه الله في "بحر العلوم" : فإن قيل قد ورد في الحديث أن الشمس تشرق من السماء الرابعة ظهرها إلى الدنيا ووجهها يشرق لأهل السموات وعظمها مثل الدنيا ثلاثمائة مرة أو ما شاء الله فكيف يمكن دخولها في عين من عيون الأرض قلنا إن قدرة الله تعالى باهرة وحكمته بالغة فالله تعالى قادر أن يدخل السموات السبع والأرضين السبع في أصغر شيء وأحقره فما ظنك بما فيها من الشمس وغيرها انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩١
وفي "التأويلات" : فإن قال قائل : إنا قد علمنا أن الشمس في السماء الرابعة ولها فلك خاص يدور بها في السماء فكيف يكون غروبها في عين حمئة قلنا : إن الله تعالى لم يخبر عن حقيقة غروبها في عين حمئة وإنما أخبر عن وجدان ذي القرنين غروبها فيها فقال :﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ وذلك أن ذا القرنين ركب بحر الغرب وأجرى مركبه إلى أن بلغ في البحر موضعاً لم يتمكن جريان المراكب فيه فنظر إلى الشمس عند غروبها وجدها تغرب بنظره في عين حمئة انتهى.
قال بعضهم إذا كان ذو القرنين نبياً فنظر النبي ثاقب يرى الأشياء على ما هي عليها كما رأى النبي عليه السلام النجاشي من المدينة وصلى عليه وإن لم يكن نبياً فذلك الوجدان بحسب حسبانه ﴿وَوَجَدَ عِندَهَا﴾ عند تلك العين يعني عند نهاية العمارة.
وبالفارسية :(يافت نزديك آن شمه بر ساحل درياى محيط غربى) ﴿قَوْمًا﴾ (كروهى را در ناسك مذكوراست كه ايشان قومي بودند بت رست سبز شم سرخ موى لباس ايشان وست حيوانات وطعام ايشان كوشت حيوان آبى) قال بعضهم قوماً في مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا أصوات أهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجب.
وقال الإمام السهيلي : هم أهل جابلص بالفتح وهي مدينة يقال لها بالسريانية جرجيسا لها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح عليه السلام وأهل جابلص آمنوا بالنبي عليه السلام لما مر بهم ليلة الإسراء.
وقال في أسئلة الحكم : أما حديث جابلصا وجابلقا وايمان أهاليهما ليلة المعراج وأنهما من الإنسان الأول فمشهور ﴿قُلْنَآ﴾ بطريق الإلهام ويدل على نبوته كونه مأموراً بالقتال معهم كما قال عليه السلام :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" كما في "التأويلات" قال الحدادي : لا يمكن إثبات نبوة إلا بدليل قطعي.
يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} أمراً ذا حسن فحذف المضاف إي أنت مخير في أمرهم بعد الدعوة إلى الإسلام إما تعذيبك بالقتل إن أبوا وإما إحسانك بالعفو أو الأسر وسماهما إحساناً في مقابلة القتل ويجوز أن يكون إما وإما للتوزيع والتقسيم دون التخبير أي : ليكن شأنك معهم إما التعذيب وإما الإحسان فالأول لمن بقي على حاله والثاني لمن تاب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩١
﴿قَالَ﴾ ذو القرنين ﴿أَمَّا مَن﴾ (اما كسى كه) ﴿ظَلَمَ﴾ نفسه بالإصرار على الكفر ولم يقبل الإيمان مني ﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ أنا ومن معي في الدنيا بالقتل.
وعن قتادة كان يطبخ من كفر في القدور ومن آمن أعطاه وكساه ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ﴾ في الآخرة ﴿فَيُعَذِّبُهُ﴾ فيها ﴿عَذَابًا نُّكْرًا﴾ منكراً لم يعهد مثله وهو عذاب النار.


الصفحة التالية
Icon