لسانهم فقالوا له : جئنا ننظر كيف تطلع الشمس قال : فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي عليّ ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن فلما طلعت الشمس على الماء إذ هو فوق الماء كهيئة الزيت فأدخلونا سرباً لهم فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر يصطادون السمك ويطرحونه في الشمس فينضج لهم.
عن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض وهو الزنج.
وقال الكاشفي :(ايشان قوم منسل بودند).
وقال السهيلي ـ رحمه الله ـ : هم أهل جابلق بالفتح وهي مدينة لها عشرة آلاف باب بين كل بابين فرسخ يقال لها بالسريانية مرقيشاً وهم نسل مؤمني قوم عاد الذين آمنوا بهود عليه السلام وأهل جابلق آمنوا بالنبي عليه السلام ليلة أسري به ووراء جابلق أمم وهم من نسل وثاقيل وفارس وهم لم يؤمنوا بالنبي عليه السلام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٤
قال في "التأويلات النجمية" : في الآية إشارة إلى أن هذا العالم عالم الأسباب لم يبلغ أحد إلى شيء من الأشياء ولا إلى مقصد من المقاصد إلا أن مكنه الله تعالى وآتاه سبب بلاغ ذلك الشيء والمقصد ووفقه لاتباع ذلك السبب فباتباع السبب بلغ ذو القرنين مغرب الشمس ومطلعها.
﴿كَذَالِكَ﴾ أي : أمر ذي القرنين كما وصفناه لك في رفعة المحل وبسطة الملك أوامره فيهم كأمره في أهل الغرب من التخيير والاختيار.
قال الكاشفي :(همنان كرد اسكندر با يشان كه با هل مغرب كرد وبجانب قطر ايسر روان شد وبقومى رسيدكه ايشان راتأويل خوانند وبايشان همان سلوك نمود) ﴿وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ﴾ من الأسباب والعدد.
وبالفارسية (وبدرستى كه ما أحاطه داشتيم بآنه نزديك او بود) ﴿خُبْرًا﴾ تمييز أي : علماً تعلق بظواهره وخفاياه.
وبالفارسية (ازروى آكاهى) يعني أن ذلك من الكثرة بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير فانظر إلى سعة لطف الله تعالى وإمداده بمن شاء من عباده فإنه ذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلاً من أهل الاسكندرية ابن امرأة عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان خارجاً عن قومه ولم يكن بأفضلهم حسباً ولا نسباً ولكنه نشأ في ذات حسن وجمال وحلم ومروءة وعفة من لدن كان غلاماً إلى أن بلع رجلاً ولم يزل منذ نشأ يتخلق بمكارم الأخلاق ويسمو إلى معالي الأمور إلى أن علا صيته وعز في قومه وألقى الله تعالى عليه الهيبة ثم إنه زاد به الأمر إلى أن حدث نفسه بالأشياء فكان أول ما أجمع عليه رأيه الإسلام فأسلم ثم دعا قومه إلى الإسلام فأسلموا عنوة منه عن آخرهم ثم كان من أمره ما كان (اسكندررا رسيدند مشرق ومغرب به كرفتى كه ملوك يشين را خزائن ولشكر بيش ازتو بود نين فتح ميسر نشد كفت بعون خداى عز وجل كه هر مملكت راكه كرفتم رعيتش را نيازردم ونام ادشاهانرا جزبنيكويى نبردم) :
بزركش نحو انند اهل خرد
كه نام برز كان بزشتى برد
وقال بعضهم :
فلم أرَ مثل العدل للمرء رافعاً
ولم أرَ مثل الجور للمرء واضعاً
كنت الصحيح وكنا منك في سقم
فإن سقمت فإنا السالمون غدا
٢٩٥
دعت عليك اكفت طالما ظلمت
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٤
ولن تردّ يد مظلومة أبدا وفي تفسير "التبيان" : كان أي : ذو القرنين ملكاً جباراً فلما هلك أبوه ولي مكانه فعظم تجبره وتكبره فقبض الله له قريناً صالحاً فقال له : أيها الملك دع عنك التجبر وتب إلى الله تعالى قبل أن تموت فغضب عليه الإسكندر وحبسه فمكث في المحبس ثلاثة أيام فبعث الله إليه ملكاً كشف سقف المحبس وأخرجه منه وأتى به منزله فلما أصبح أخبر الاسكندر بذلك فجاء إلى السجن فرأى سقف السجن قد ذهب فاقشعر جلد الاسكندر وعلم أن ملكه ضعيف عند قدرة الله تعالى فانصرف متعجباً وطلب الرجل المحبوس فوجده قائماً يصلي على جبل طالس فقال الرجل لذي القرنين تب إلى الله فهمّ بأخذه وأمر جنوده به فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم وخر الاسكندر مغشياً عليه فلما أفاق تاب إلى الله تعالى وتضرع إلى الرجل الصالح وأطاع الله وأصلح سيرته وقصد الملوك الجبابرة وقهرهم ودعا الناس إلى طاعة الله وتوحيده وكان من أول أمره أن بنى مسجداً واسعاً طوله أربعمائة ذراع وعرض الحائط اثنان وعشرون ذراعاً وارتفاعه في الهواء مائة ذراع.
وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للغني عند أول أمره أن يصرف شطراً من ماله إلى وجه من وجوه الخير لا إلى ما يشتهيه طبعه ويميل إليه نفسه كما أن المفتي إذا تصدر يبدأ في فتواه بما يتعلق بالتوحيد ونحوه وكذا لابس جديد أو مغسول يبدأ بالمسجد والصلاة والذكر ونحوها لا بالخروج إلى السوق وبيت الخلاء ونحوهما.
ثم أن الفتح الصوري إنما يُبتنى على الأسباب الصورية إذ لا يحصل التسخير غالباً إلا بكثرة العدد والعدد وأما الفتح المعنوي فحصوله مبني على الفناء وترك الأسباب والتوجه إلى مسبب الأسباب كما قال الصائب :
هركس كشيد سربكريبان نيستى
تسخير كرد مملكت بى زوال را


الصفحة التالية
Icon