واعلم : أن لا شيء من الأكوان أوسع منه وإذا قبض الله الأرواح من هذه الأجسام الطبيعية حيث كانت أودعها صوراً جسدية في مجموع هذا القرن النور فجمع ما يدركه الإنسان بعد الموت في البرزخ من الأمور إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها وهو إدراك حقيقي فمن الصور ما هي مقيدة عن التصرف.
ومنها مطلقة كأرواح الأنبياء كلهم وأرواح الشهداء.
ومنها ما يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار.
ومنها ما يتجلى للنائم في حضرة الخيال التي هي فيه وهو الذي يصدق رؤياه أبداً وكل رؤيا صادقة ولا تخطى ولكن العابر الذي يعبرها هو المخطى حيث لم يعرف ما المراد بها وكذلك قوم فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً في تلك الصور ولا يدخلونها فإنهم محبوسون في ذلك القرن ويوم القيامة يدخلون أشد العذاب وهو العذاب المحسوس لا المنخيل كما في "تفسير الفاتحة" للفنارى.
﴿فَجَمَعْنَـاهُمْ﴾ أي : جمعنا الخلائق بعدما تمزقت أجسادهم في صعيد واحد للحساب والجزاء ﴿جَمْعًا﴾ عجيباً لم نترك من الملك والإنس والجن والحيوانات أحداً وفي الحديث :"السعيد في ذلك اليوم في ذلك الجمع من يجد مكاناً يضع عليه أصابع رجليه" كما "في ربيع الأبرار".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٩
وقال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الله تعالى من كمال قدرته يحيي الخلق بسبب يميتهم به وهو النفخة وبالنفخة الأولى كما أماتهم كقوله تعالى :﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَن فِى الأرْضِ﴾ (الزمر : ٦٨) كذلك بالنفخة الأخيرة أحياهم كقوله :﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنَـاهُمْ جَمْعًا﴾ (الكهف : ٩٩) وفيه إشارة إلى أن الخلق محتاجون إلى اتباع سبب كل شيء ليبلغوا إليه وهم لا يقدرون على أن يجعلوا سبباً لشيء سبباً لشيء آخر على ضده والخالق سبحانه وهو المسبب فهو قادر على أن يجعل الشيء الواحد سبباً لوجود الشيئين المتضادين كما جعل النفخة في الصورة سبباً للممات والحياة، وفي "المثنوي".
سازد اسرافيل روزى ناله را
جان دهد وسيده صد ساله را
انبيارا در درون هم نغمههاست
طالبانرا زان حياة بى بهاست
نشنود آن نغمهارا كوش حس
كز ستمها كوش حس باشد نجس
نشنود نغمه رى را آدمي
كوبود زاسرار ريان أعجمي
كره هم نغمه رى زين عالمست
نغمه دل بر تر از هر دودمست
كر رى وآدمي زندانيند
هر دو در زندان اين نادانيند
نغمهاى اندرون اوليا
اولا كويدكه اي اجزاى لا
٣٠١
هين زلاى نفى سرها بر زنيد
اين خيال وهم يكسو افكنيد
اي همه وشيده دركون وفساد
جان باقيتان نروييد ونزاد
هين كه اسرافيل وقتند اوليا
مرده را زيشان حياتست ونما
جان هريك مرده از كورتن
بر جهد ز آواز شان اندر كفن
كويد اين آواز زآواها جداست
زنده كردن كار آواز خداست
ما بمرديم وبكلى كاستيم
بانك حق آمد همه بر خاستيم
مطلق آن آواز خود ازشه بود
كره از حلقوم عبد الله بود
﴿وَعَرَضْنَا﴾ يقال : عرض الشيء له أظهره أي : أظهرنا ﴿جَهَنَّمُ﴾ معرب والأصل (ه نم) كذا قال البعض ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ يوم إذ جمعنا الخلائق كافة ﴿لِّلْكَـافِرِينَ﴾ منهم حيث جعلناها بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظاً وزفيراً ﴿عَرْضًا﴾ هائلاً لا يعرف كنهه وفي الحديث :"يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" أي : يؤتى بها يوم القيامة من المكان الذي خلقها الله فيه فتوضع بأرض حتى لا يبقى طريق للجنة إلا الصراط وهذه الأزمّة تمنعها عن الخروج على أهل المحشر إلا من شاء الله كذا في "شرح المشارق" لابن ملك وتخصيص العرض بالكافرين مع أنها بمرأى من أهل الجمع قاطبة لأن ذلك لأجلهم خاصة وهذا العرض يجري مجرى العقاب لهم من أول الأمر لما يتداخلهم من الغم العظيم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٩
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن جهنم لو كانت معروضة على أرواح الكافرين قبل يوم القيامة كما كانت معروضة على أرواح المؤمنين آمنوا بها كما آمن المؤمنون بها إذ لم تكن أعينهم في غطاء عن ذكر الله وكانوا يستطيعون سمعاً لكلام الله تعالى لأن آذان قلوبهم مفتوحة.
﴿الَّذِينَ﴾ الموصول مع صلته نعت للكافرين أو بدل ولذا لا وقف على عرضا كما في "الكواشي".
﴿كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ﴾ وهم في الدنيا ﴿فِى غِطَآءٍ﴾ غلاف غليظ محاطة بذلك من جميع الجوانب.
والغطاء ما يغطي الشيء ويستره.
وبالفارسية :(رده وبوشش) ﴿عَن ذِكْرِى﴾ عن الآيات المؤدية لأولي الأبصار المتدبرين فيها إلى ذكري بالتوحيد والتمجيد كما قيل :
ففي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
برك درختان سبز درنظر هوشيار
هرورقى دفتريست معرفت كرد كار
﴿وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ﴾ لفرط تصاممهم عن الحق وكمال عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلّم ﴿سَمْعًا﴾ استماعاً لذكري وكلامي يعني أن حالهم أعظم من الصمم فإن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء زالت عنهم تلك الاستطاعة :
ون توقر آن خوانى اي صدر امم