﴿الَّذِينَ﴾ كأنه قيل منهم فقيل هم الذين ﴿ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ في إقامة الأعمال الحسنة في أنفسها أي : ضاع وبطل بالكلية.
وبالفارسية (كم شد وضائع كشت شتافتن ايشان بعملهاى نيكونماى) ﴿فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ متعلق بالسعي لا بالضلال لأن بطلان سعيهم غير مختص بالدنيا ﴿وَهُمْ﴾ أي : ضل والحال أنهم ﴿يَحْسَبُونَ﴾ يظنون ﴿أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ يعني : يعملون عملاً ينفعهم في الآخرة.
وبالفارسية (وايشان مى ندارند آنكه ايشان نيكويى ميكنند كاررا) والإحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي أي : يحسبون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق وذلك لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها وكابدوا في تحصيلها.
وفي الآية : إشارة إلى أهل الأهواء والبدع وأهل الرياء والسمعة فإن اليسير من الرياء شرك وأن الشرك محبط الأعمال كقوله تعالى :﴿لَـاـاِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ (الزمر : ٦٥) وأن هؤلاء القوم يبتدعون في العقائد ويراؤون بالأعمال فلا يعود وبال البدعة والرياء إلا إليهم والحاصل أن العمل المقارن بالكفر باطل وإن كان طاعة وكذا العمل المقارن بالشرك الخفي وإذا كان ما هو طاعة مردوداً لمجاورته المنافي فما ظنك بما هو معصية في نفسه وهو يظنه طاعة فيأتي به فمثل أهل الرياء والسمعة والبدعة وطالب المنة والشكر من الخلق على معروفه وكذا الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع وحملوها على الرياضات الشاقة ليسوا على شيء :
كرت بيخ إخلاص در بوم نيست
ازين دركسى ون تومحروم نيست
كرا جامه اكست وسيرت ليد
در دوز خش را بنايد كليد
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ هم أهل حروراء قرية بالكوفة وهم الخوارج الذين قاتلهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه كما في "التكملة".
والخوارج قوم من زهاد الكوفة خرجوا عن إطاعة علي ـ رضي الله عنه ـ عند رضاه بالتحكيم بينه وبين معاوية قالوا كفر بالتحكيم إن الحكم إلاوكانوا إثني عشر ألف رجل اجتمعوا ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج إليهم علي رضي الله عنه ورام رجوعهم فأبوا إلا القتال فقاتلهم بالنهروان فقتلهم واستأصلهم ولم ينج منهم إلا القليل وهم الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلّم "يخرج قوم في أمتي يحقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم وصومه في جنب صومهم ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم" وقال عليه السلام :"الخوارج كلاب النار" كذا في "شرح الطريقة".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٣
﴿أولئك﴾
٣٠٤
المنعوتون بما ذكر من ضلال السعي مع الحسبان المزبور ﴿أولئك الَّذِينَ كَفَرُوا بِـاَايَـاتِ﴾ بدلائله الداعية إلى التوحيد عقلاً ونقلاً ﴿وَلِقَآاـاِهِ﴾ بالبعث وما يتبعه من أمور الآخرة على ما هي عليه ﴿فَحَبِطَتْ﴾ بطلت بذلك ﴿أَعْمَـالُهُمْ﴾ المعهودة حبوطاً كلياً فلا يثابون عليها ﴿فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ أي : لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمال ﴿وَزْنًا﴾ أي : فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً (بلكه خوار ومبتذل خواهند بود) لأن مداره الأعمال الصالحة وقد حبطت بالمرة وحيث كان هذا الازدراء من عواقب حبوط الأعمال عطف عليه بطريق التفريع وأما ما هو من أجزية الكفر فسيجيىء بعد ذلك وفي الحديث "يؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة" أي : لا يوضع له قدر لخساسته وكفره وعجبه "اقرأوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" أي : لا نضع لأجل وزن أعمالهم ميزاناً لأنه إنما يوضع لأهل الحسنات والسيآت من الموحدين ليتميز به مقادير الطاعات والمعاصي ليترتب عليه التكفير أو عدمه لأن ذلك في الموحدين بطريق الكمية وأما الكفر فإحباط للحسنات بحسب الكيفية دون الكمية فلا يوضع لهم الميزان قطعاً.
وفي "التأويلات النجمية" : لأن وزن الأشخاص والأعمال في ميزان القيامة إنما يكون بحسب الصدق والإخلاص فمن زاد إخلاصه زاد ثقل وزنه ومن لم يكن فيه وفي أعماله إخلاص لم يكن له ولا لعمله وزن ومقدار كما قال الله تعالى :﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ﴾ (الفرقان : ٢٣) أي : بلا إخلاص ﴿فَجَعَلْنَـاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا﴾ فلا يكون للهباء المنثور وزن ولا قيمة.
﴿ذَالِكَ﴾ أي : الأمر ذلك وقوله تعالى :﴿جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ جملة مبينة له ﴿بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا ءَايَـاتِى وَرُسُلِى هُزُوًا﴾ يعني : بسبب كفرهم وانكاهم لما يجب إيمانهم وإقرارهم به واتخاذهم القرآن وغيره من الكتب الإلهية ورسل الله وأنبياءه سخرية واستهزاء من قبيل الوصف بالمصدر للمبالغة يعني أنهم بالغوا في الاستهزاء بآيات الله ورسله فكأنهم جعلوها وإياهم عين الاستهزاء أو المعنى مهزوا بهما أو مكان هزء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٣


الصفحة التالية
Icon