واعلم أن العلماء ورثة الأنبياء وعلومهم مستنبطة من علومهم فكما أن العلماء العاملين ورثة الأنبياء والمرسلين في علومهم وأعمالهم كذلك المستهزؤن بهم ورثة أبي جهل وعقبة ونحوهما في استهزائهم وضلالهم.
ومن استهزاء أبي جهل بالنبي صلى الله عليه وسلّم أنه كان يخلج بأنفه وفمه خلف رسول الله يسخر به فاطلع عليه عليه السلام يوماً فقال :"كن كذلك" فكان كذلك إلى أن مات.
ومن استهزاء عقبة به عليه السلام أنه بصق يوماً في وجه النبي صلى الله عليه وسلّم فعاد بصاقه على وجه وصار برصاً وفي حقه نزلٍ ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ (الفرقان : ٢٧) أي : في النار يأكل إحدى يديه إلى المرفق ثم يأكل الأخرى فتنبت الأول فيأكلها وهكذا كذا في "إنسان العيون" وفي الحديث :"إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة فيقال هلم هلم فيجيىء بكربه وغمه فإذا جاء أغلق دونه فما يزال كذلك حتى أن الرجل ليفتح له الباب فيقال هلم هلم فما يأتيه" كما في "الطريقة" اللهم اجعلنا من أهل الجد لا من أهل الهزل ووفقنا للعمل بما في القرآن الجزل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٣
﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ في الدنيا ﴿وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ من الأعمال وهي ما كانت خالصة لوجه الله تعالى ﴿كَانَتْ لَهُمْ﴾ في علم الله تعالى ﴿جَنَّـاتُ الْفِرْدَوْسِ﴾ (بهشتهاى فردوس يعني بوستانهاى مشتمل بر اشجاركه
٣٠٥
أكثر آن تاك بود).
قال في "القاموس" : الفردوس البستان يجمع كل ما يكون في البساتين يكون فيه الكروم وقد يؤنث عربية أو رومية نقلت أو سريانية انتهى ﴿نُزُلا﴾ خبر كانت والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه حال من نزلا والنزل المنزل وما هيىء للضيف النازل أي : كانت جنات الفردوس منازل مهيأة لهم أو ثمار جنات الفردوس نزلاً أو جعلت نفس الجنات نزلاً مبالغة في إكرام.
وفيه إيذان بأنها عندما أعدها الله لهم على ما جرى على لسان النبوة من قوله "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" بمنزلة النزل بالنسبة إلى الضيافة.
قال الكاشفي : هي دولة اللقاء، قال الحافظ :
نعمت فردوس زاهد راوما راروى دوست
قيمت هركس بقدر همت والاى اوست
وفي "المثنوي" :
هشت جنت هفت دوزخ يش من
هست يدا همو بت يش شمن
ومن هنا قال أبو يزيد البسطامي قدس سره لو عذبني الله يوم القيامة لشغلني بالجنة ونعيمها فلا جنة أعلى من جنه اللقاء والوصال ولا نار أشد من نار الهجران والفراق :
روزشب غصه وخون ميخورم وون نخورم
ون زديدار تو دورم به باشم دلشاد
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٥
﴿خَـالِدِينَ فِيهَا﴾ حال مقدرة أي : مقدرين الخلود في تلك الجنات ﴿لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا﴾ مصدر كالصغر والجملة حال من صاحب خالدين أي : لا يطلبون تحولاً وانتقالاً عنها إلى غيرها كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار إذ لا مزيد عليها وفيها كل المطالب.
قال الإمام وهذا الوصف يدل على غاية الكمال لأن الإنسان في الدنيا إذا وصل إلى أي درجة كانت في السعادة فهو طامح الطرف إلى ما هو أعلى منها ويجوز أن يراد نفي التحول وتأكيد الخلود كما في "تفسير الشيخ" وهذا كناية عن التخليد وقال المراد بالفردوس ربوة خضراء في الجنة أعلاها وأحسنها يقال لها سرة الجنة وفي الحديث "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض الفردوس أعلاها فيها تتفجر الأنهار الأربعة وفوقها عرش الرحمن فإذا سألتم الله فاسألوا الفردوس" وفي الحديث :"جنتان الفردوس أربع جنات من فضة آنيتهما وما فيهما فضة وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ذهب" (ودرتبيان آلأرده كه خداى تعالى فردوس را بيد قدرت خود آفريده وبمقدار هر روز از روزهاى دنيا نجاه كرت بدو نظر كرده وميفرما يدكه "ازدادى طيباً وحسناً لأوليائي" افزون ساز حسن جمال وتازه كى واكى خودرا براى دوستان من) وفي بعض الروايات "يفتحها كل يوم خمس مرات".
يقول الفقير التوفيق بين الروايتين أن الأولى من مقام التفصيل والثانية من مقام الإجمال إذ المقصود ازدياد حسنها وطيبها كلما أدى الصلوات الخمس وهي في الأصل خمسون صلاة كما سبق في بحث المعراج وفي الحديث :"إن الله غرس الفردوس بيده ثم قال : وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث" قيل ما الديوث يا رسول الله؟ قال :"الذي يرضى الفواحش لأهله" كما في "تفسير الحدادي".
وقال في "بحر العلوم" : قال عليه السلام :"إن الله كبس عرصة جنة الفردوس بيده ثم بناها لبنة من ذهب مصفى ولبنة من مسك مذرى وغرس فيها من طيب الفاكهة وطيب الريحان وفجر
٣٠٦


الصفحة التالية
Icon