فيها أنهارها ثم أوفى ربنا على العرش فنظر إليها فقال : وعزتي لا يدخلك مدمن خمر ولا مصر على زنى".
يقول الفقير : إن قلت فعلى ما ذكر من أوصاف الفردوس يكون مقام المقربين فكيف يترتب جزاء الخاصة على العامة.
قلت : يؤول العنوان بمن جمع بين الإيمان والعمل على وجه الكمال وهو بأن آمن إيماناً عيانياً بعدما آمن برهانياً وعمل بإخلاص الباطن وشرائط الظاهر على وفق الشريعة وقانون الطريقة فيدخل فيه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر على ما فسر كعب فإن الدلالة على الخير والمنع من الشر من فواضل الأعمال وخواص الرجال.
ويدل على ما ذكرنا ما قبل الآية من قوله تعالى في حق الكفار ﴿أولئك الَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ وَلِقَآاـاِهِ﴾ فإن المراد بيان المؤمنين المتصفين بأضداد ما اتصفوا به والإيمان باللقاء أي : الرؤية والمشهود بعد الإيمان بالآيات والشاهد وهو بالترقي من العلم والغيب والآثار إلى العين والشهادة والأنوار ويدل عليه ما بعد الآية أيضاً من قوله تعالى :﴿فَمَن كَانَ يَرْجُوا﴾ إلى آخره فافهم وهكذا لاح بالبال والله أعلم بحقيقة الحال نسأل الله الفردوس بل وتجلي جماله والاحتظاظ بكاسات وصاله، قال الحافظ :
كداى كوى تو ازهشت خلد مستغنيست
اسير عشق تو ازهردو كون آزادست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٥
﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ﴾ (بكوا كرباشد درياى محيط كه شامل ارضست) كذا في "تفسير الكاشفي".
وقال غيره : يريد الجنس يعني لو كان ماء جنس البحر ﴿مِدَادًا﴾ نقساً وحبراً والثلاثة بمعنى ما يكتب به نزلت حين قال حيى بن أخطب في كتابكم ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (البقرة : ٢٦٩) ثم تقرأون ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ (الإسراء : ٨٥) كأنه يشير إلى أن التوراة خير كثير فكيف يخاطب أهلها بهذا الخطاب يعني أن ذلك خير كثير بالنسبة إلينا ولكنه قطرة من بحر كلمات الله :
علمها از بحر علمش قطره
اين و خروشيدست وآنها ذره
كر كسى در علم صد لقمان بود
يش علم كاملش نادان بود
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٧
لأنه لو كان ماء البحر مداداً ﴿لِّكَلِمَـاتِ رَبِّى﴾ لكلمات علمه وحكمته يعني لمعلوماته وحكمه فتكتب من ماء البحر كما تكتب من المداد والحبر.
قال في "تفسير الجلالين" ﴿لِّكَلِمَـاتِ رَبِّى﴾ أي : لكتابتها وهي حكمه وعجائبه والكلمات هي العبارات عنها انتهى ﴿لَنَفِدَ الْبَحْرُ﴾ يعني : ماء جنس البحر بأسره مع كثرته ولم يبق فيه شيء لأن كل جسم متناهٍ ﴿قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـاتُ رَبِّى﴾ أي : من غير أن تفنى معلوماته وحكمه فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه فلا دلالة للكلام على نفادها بعد نفاد البحر وإنما اختار جمع القلة على الكثرة وهي الكلم تنبيهاً على أن ذلك لا يقابل بالقليل فكيف بالكثير كما في "بحر العلوم".
وقال أبو القاسم الفزاري في "الأسئلة المقحمة" : ما معنى قوله كلمات ربي فذكر بلفظ الجمع وكلمته واحدة صفة له والجواب قيل معاني كلمات ربي فلا نهاية لها لأن متعلقات الصفات القديمة غير متناهية والفلاسفة يحملون كل كلمة جاءت في القرآن على الروح ويقولون بأن الروح الإنسانية قديمة منه بدت وإليه تعود.
ورأيت في كلمات بعض المعاصرين الذين يدعون التحقيق في الكلام ويحومون
٣٠٧
حول هذا الحمى إظهاراً من نفوسهم التفطن في الشطح ولكن تارة يعرض بها وتارة يصرح بذلك وإياكم ثم إياكم والاغترار بها فإنها من أوائل حكم الفلسفة وأوائل العلوم مسوقة ولكنها عند البحث قلما تعود بطائل يتروج وهو مطوي ويهجر وهو منشور انتهى.
﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ﴾ بمثل البحر الموجود يعني بمائة.
وقال الكاشفي :(واكرنيز بياريم مثل درياى محيط) ﴿مَدَدًا﴾ تمييز أي زيادة ومعونة أي : لنفد أيضاً والكلمات غير نافدة لعدم تناهيها فحذف جزاء الثاني لدلالة الأول عليه ويجوز أن يكون التقدير ولو جئنا بمثله مدداً ما نفدت كلمات الله وهو أحسن لكونه أوفق بقوله :﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِى الارْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَـامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّه مِنا بَعْدِه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ﴾ (لقمان : ٢٧) ولأنه يدل به على تحقق نفاد البحر وعدم تحقق نفاد الكلمات صريحاً فيكفي مؤنة كثيرة من الكلام كما في "بحر العلوم".
قال في "الإرشاد" : قوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٧