﴿وَلَوْ جِئْنَا﴾ كلام من جهته تعالى غير داخل في الكلام الملقن يجيىء به لتحقيق مضمونه وتصديق مدلوله والواو لعطف الجملة على نظيرتها أي : لنفد البحر من غير نفاد كلماته تعالى لو لم يجىء بمثله مدداً ولو جئنا بقدرتنا القاهرة بمثله عوناً وزيادة لأن مجموع المتناهيين متناه بل مجموع ما يدخل تحت الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهياً لقيام الأدلة القاطعة على تناهي الابعاد.
قال الإمام قولنا الله تعالى قادر على مقدورات غير متناهية مع قولنا أن حدوث ما لا نهاية له محال معناه أن قادرية الله تعالى لا تنتهي إلى حد إلا ويصح منه الإيجاد بعد ذلك انتهى أي : فلا يلزم منه عدم تناهي الممكنات.
قال شيخي وسندي قدس الله سره في بعض تحريراته قوله كلمات علمه وحكمته الظاهر أن المراد الكلمات التي يعبر بها عن معلومات الله تعالى وما يتعلق به حكمته فكلمة قبل على المجاز عن نفاد البحر دون أن يكون لها تحقق النفاد أي : ينفد البحر ولا يتحقق لكلمات الرب نفاد.
فإن قلت إنما يتم ما ذكرتم إذا كانت الكلمات هي المعلومات المحكومة والمقدورة كالممكنات والممتنعات فكيف يتم ما ذكرتم إذ كل منهما مما ينفد ويتناهى فههنا اشكال لأنه إن قيل : إنهما ليسا من المعلومات فيلزم أنهما من غير المعلومات فيلزم على الباري تعالى ما هو المحال والمفقود في حقه الأعلى من الجهل والغفلة فهو غير متصور في شأنه العلي.
قلنا : إن البحر إذا كان مداداً وكانت كل قطرة منه قد عينت لأن يكتب بها نفسها باعتبار كونها من الكلمات والمعلومات ينفد بكتابة نفسه وقطراته ولا يبقى منه شيء يكتب به ما عداه من الكلمات ولو جيىء بمثله مدداً لأن جميع المتناهى متناه فضلاً عن نفاد الكلمات وتناهي المعلومات فإنها غير متناهية لا تنفد أو قلنا : إن المراد مطلق المعلومات العام الشامل لكل ما يتعلق به علمه سواء كان ذلك الباري تعالى وصفاته العليا وأسماءه الحسنى أو غيره من الموجودات الممكنة والمعدومات الممتنعة فحينئذٍ يتم ما ذكرنا وإن كان يرى في صورة ما لا يتم ولا يصح باعتبار أن يكون من المعلومات ما له تناهٍ ونفاد من الممكنات والممتنعات ثم إن في إطلاق الكلمات على بعض ما يتعلق به علمه تعالى ما ليس في إطلاق المعلومات عليه من الاشكال والخفاء كذات الباري تعالى وصفاته مع أنهما من المعلومات المعبر عنها بالكلمات فيرى أن تفسير الكلمات بالمحكومات أو بالمقدورات أولى منه بالمعلومات إذ في إضافة الكلمات
٣٠٨
إلى الرب إشعار به وإشارة إليه وتسمية الممكنات بالكلمات من تسمية المسبب باسم السبب لأنها إنما تكوّنت بكلمة كن كما قال تعالى :﴿إِنَّمَآ أَمْرُه إِذَآ أَرَادَ﴾ (يس : ٨٢) الآية ومحصل الكلام أن نفاد البحر وقوعاً أو فرضاً أمر ذاتي غير معلل مطلقاً كان مداداً أم لا فإن كل جسم متناه ونافد قطعاً وعدم نفاد كلمات الرب لا وقوعاً ولا فرضاً أمر أصلي غير معلل أزلاً فإنها غير متناهية أبداً ولا نافدة سرمداً انتهى كلام حضرة الشيخ روح الله روحه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٧
﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ قل يا محمد ما أنا إلا آدمي مثلكم في الصورة ومساو بكم في بعض الصفات البشرية ﴿يُوحَى إِلَىَّ﴾ من ربي ﴿أَنَّمَآ إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ﴾ ما هو إلا متفرد في الألوهية لا نظير له في ذاته ولا شريك له في صفاته، يعني : أنا معترف ببشريتي ولكن الله منّ عليّ من بينكم بالنبوة والرسالة.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن بني آدم في البشرية واستعداد الإنسانية سواء النبي والولي والمؤمن والكافر والفرق بينهم بفضيلة الإيمان والولاية والنبوة والوحي والمعرفة بأن إله العالمين إله واحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد انتهى كما قال الشيخ سعدي :
ره راست بايد نه بالاى راست
كه كافرهم ازروى صورت و ماست
﴿فَمَن كَانَ يَرْجُوا﴾ شرط جزاؤه فليعمل.
والمعنى بالفارسية :(س هركه اميد ميدارد) ﴿لِقَآءَ رَبِّهِ﴾.
قال في "الإرشاد" : كان للاستمرار ولرجاء توقع وصول الخبر في المستقبل والمراد بلقائه كرامته أي : فمن استمره على رجاء كرامته تعالى.
وقال الإمام : أصحابنا حملوا لقاء الرب على رؤيته والمعتزلة على لقاء ثوابه يقال لقيه كرضيه رآه كما في "القاموس".
﴿فَلْيَعْمَلْ﴾ لتحصيل ذلك المطلوب العزيز ﴿عَمَلا صَـالِحًا﴾ (كارى شايسته يعني بسنديده خداى).
قال الأنطاكي : من خاف المقام بين أيدي الله فليعمل عملاً يصلح للعرض عليه والرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل كما في البغوي.
وقال ذو النون العمل الصالح هو الخالص من الرياء.
وقال أبو عبد الله القرشي : العمل الصالح الذي ليس للنفس إليه التفات ولا به طلب ثواب وجزاء.