سورة مريم
ثمان أو تسع وتسعون آية وهي مكية إلا آية السجدة
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١١
﴿كهيعص﴾ اسم للسورة ومحله الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هذا كهيعص أي : مسمى به وإنما صحت الإشارة إليه مع عدم جريان ذكره لأنه باعتبار كونه على جناح الذكر صار في حكم الحاضر المشاهد كما يقال هذا ما اشترى فلان، كذا في "الإرشاد".
وقال في تفسير الشيخ قسم اقسم بالله تعالى أو هي اسم من اسمائه الحسهنى ويدل عليه ما قرأوا في بعض الأدعية من قولهم يا كهيعص يا حمعسق أو أنه مركب من حروف يشير كل منها إلى صفة من صفاته العظمى.
فالكاف من كريم وكبير.
والهاء من هاد.
والياء من رحيم.
والعين من عليم وعظيم.
والصاد من الصادق أو معناه هو تعالى كاف لخلقه هاد لعباده يده فوق أيديهم عالم ببريته صادق في وعده.
قال الكاشفي :(در مواهب صوفيان از مواهب الهى كه بر حضرت شيخ ركن الدين علاء الدولة سمناني قدس سره فرود آمده مذكوراست كه حضرت رسالت را صلى الله عليه وسلّم سه صورتست يكى بشرى كقوله تعالى :﴿إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ دوم ملكى نانكه فرموده است (لست كأحد ابيت عند ربي) سيوم حقي كما قال :(لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل) وازين روشتنر "من رآني فقد رأى الحق" وحق سبحانه را با او درهر صورتي سخن بعبارتي ديكر واقع شده است در صورت بشرى كلمات مركبه ون ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ودر صورت ملكي حروف مفرده مانند ﴿كاهيعاص﴾ واخواته ودرصورت حقى كلامى مبهم كه ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِه مَآ أَوْحَى﴾ :
درتنكناى حرف نكنجد بيان ذوق
زان سوى حرف ونقطه حكايات ديكرست)
وفي "التأويلات النجمية" في سورة البقرة يحتمل أن يكون ﴿أَلَمْ﴾ وسائر الحروف المقطعة من قبيل المواضعات والمعميات بالحروف بين المحبين لا يطلع عليها غيرهم وقد واضعها الله تعالى مع نبيه عليه السلام في وقت لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ليتكلم بها معه على
٣١٢
لسان جبريل بأسرار وحقائق لا يطلع عليها جبريل ولا غيره.
يدل على هذا ما روي في الأخبار أن جبريل عليه السلام نزل بقوله تعالى :﴿كاهيعاص﴾ فلما قال كاف قال النبي عليه السلام :"علمت" فقال ها فقال :"علمت" فقال يا فقال :"علمت" فقال عين فقال :"علمت" فقال صاد فقال :"علمت" فقال جبريل : كيف علمت ما لم أعلم؟ وفي "أسئلة الحكم" علوم القرآن ثلاثة :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٢
علم لم يطلع الله عليه أحداً من خلقه وهو ما استأثر به من علوم أسرار كتابه من معرفة كنه ذاته ومعرفة حقائق أسمائه وصفاته وتفاصيل علوم غيوبه التي لا يعلمها إلا هو وهذا لا يجوز لأحد الكلام فيه بوجه من الوجوه اجماعاء العلم الثاني ما اطلع عليه نبيه من أسرار الكتاب واختصه به وهذا لا يجوز الكلام فيه الإله عليه السلام أو لمن أذن له واو آئل السور من هذا القسم وقيل من القسم الأول.
العلم الثالث : علوم علمها الله نبيه مما أودع كتابه من المعاني الجليلة والخفية وأمره بتعليمها ﴿ذِكْرُ﴾ أي : هذا المتلو ذكر ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ﴾ ذكر مضاف إلى مفعوله ﴿عَبْدَهُ﴾ مفعول رحمة ﴿زَكَرِيَّآ﴾ بدل منه وهو زكريا يمد ويقصر ابن آزر.
قال الكاشفي :(واو ازاولاد رجعيم بن سليمان بن داود عليهم السلام بوده بيغمبر عاليشان ومهتر احبار بيت المقدس وصاحب قربان).
قال الإمام زكريا من ولد هارون أخي موسى وهما من ولد لاوى بن يعقوب بن إسحاق ﴿إِذْ نَادَى رَبَّه نِدَآءً خَفِيًّا﴾ ظرف لرحمة ربك.
والمعنى بالفارسية (ون ندا كرد وبخواند روردكار خودرا در محراب بيت المقدس بعد از تقريب قربان وخواندن نهان) ولقد راعى عليه السلام حسن الأدب في دعائه فإنه مع كونه بالنسبة إليه تعالى كالجهر أدخل في الإخلاص وأبعد من الرياء وأقرب إلى الخلاص من غائلة مواليه الذين كان يخافهم فإنه إذا أخفى لم يطلعوا عليه ومن لوم الناس على طلب الولد لتوقفه على مبادي لا يليق به تعاطيها وقت الكبر والشيخوخة وكانت سنه وقتئذ تسعاً وتسعين على ما اختاره الكاشفي.
فإن قلت شرط النداء الجهر فكيف يكون خفيا.
قلت دعا في الصلاة فاخفاه.
يقول الفقر النداء وإن كان بمعنى الصوت لكن الصوت قد يتصف بالضعف ويقال صوت خفي وهو الهمس فكذا النداء وقد صح عن الفقهاء أن بعض المخافتة يعد من أدنى مراتب الجهر وتفصيله في "تفسير الفاتحة" للفناري.
ولي فيه وجه خفي لاح عند المطالعة وهو أن النداء الخفي عند الخواص كالذكر الخفي هو ما خفي عن الحفظة فضلاً عن الناس لا يخفض به الصوت والوجه في عبارة النداء الإشارة إلى شدة الإقبال والتوجه في الأمر المتوجه إليه كما هو شأن الأنبياء ومن له بهم إسوة حسنة من كمل الأولياء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٢
﴿قَالَ﴾ استئناف وقع بياناً للنداء ﴿رَبِّ﴾ (اي روردكار من) ﴿إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى﴾ الوهن الضعف وإنما أسنده إلى العظم وهو بالفارسية (استخوان) لأنه عماد بيت البدن فإذا أصابه الضعف مع صلابته وقلة تأثره من العلل أصاب سائر الأجزاء.
قال قتادة : اشتكى سقوط الأضراس كما في البغوي وإفراده للقصد إلى جنس المنبىء عن شمول الوهن لكل فرد من أفراده ولو جمع لخرج بعض العظام عن الوهن.
﴿مِنِّى﴾ متعلق بمحذوف وهو حال من العظم وهو تفصيل بعد الإجمال لزيادة التقرير لأن العظم من حيث أنه يصدق على عظمه يفيد نسبته إليه إجمالاً
٣١٣


الصفحة التالية
Icon