والأظهر أن يحيى اسم أعجمي وإن كان عربياً فهو منقول عن الفعل كيعمر ويعيش.
قيل سمي به لأنه حيي به رحم أمه أو حيي دين الله بدعوته أو حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها.
وفيه إشارة إلى أن من لم يحيه الله بنوره وعلمه فهو ميت أو حيي به ذكر زكريا كما أن آدم حيى ذكره بشيث ونوحاً حيي ذكره بسام وكذا الأنبياء الباقون ولكن ما جمع الله لأحد من الأنبياء في ولده قبل ولادة يحيى بين الاسم العلم الواقع منه تعالى وبين الصفة الحاصلة في ذلك النبي إلا لزكريا عناية منه إليه وهذه العناية إنما تعلقت به إذ قال :﴿فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا﴾ فقدم الحق تعالى حيث كنى عنه بكاف الخطاب على ذكر ولده حين عبر عنه بالولي فأكرمه الله بأن وهبه ولياً طلبه وسماه بما يدل على صفة زكريا وهو حياة ذكره كذا قال الشيخ الأكبر قدس سره : قال الإمام السهيلي : في كتاب "التعريف والأعلام" كان سامه في الكتاب الأل حيا وكان اسم سارة زوجة إبراهيم يسارة وتفسيرها بالعربية لا تلد فلما بشرت بإسحاق قيل لها سارة سماها بذلك جبريل فقالت يا إبراهيم لم نقص من اسمي حرف فقال ذلك إبراهيم لجبرائيل عليه السلام فقال : إن ذلك الحرف قد زيد في اسم ابن لها من أفضل الأنبياء واسمه حيا وسمي يحيى ذكره النقاش.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٦
﴿قَالَ﴾ استئناف مبني على السؤال كأنه فماذا قال زكريا حينئذٍ فقيل قال :﴿رَبِّ﴾ ناداه تعالى بالذات مع وصول خطابه تعالى إليه بتوسط الملك للمبالغة في التضرع والمناجاة والجد في التبتل إليه تعالى والاحتراز عما عسى يوهم خطابه للملك من توهم إن علمه بما صدر عنه متوقف على توسطه كما أن علم البشر بما يصدر عنه سبحانه متوقف على ذلك في عامة الأوقات ﴿إِنِّى﴾ (كونه) ﴿يَكُونُ لِى غُلَـامٌ﴾ أي : كيف أو من أين يحدث لي غلام الحال أنه قد
٣١٦
﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا﴾ لم تلد في شبابها وشبابي فكيف وهي عجوز الآن ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ﴾ أنا ﴿مِنَ الْكِبَرِ﴾ من أجل كبر السن ﴿عِتِيًّا﴾ يبوسة وجفافاً كالعود اليابس من قولهم عتا العود إذا يبس وعتا الشيخ إذا كبر وهرم وولى ويقال لكل شيء انتهى قد عتا وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافا بان المؤثر فيه كمال قدرته وأن الوسائط عند التحقيق ملغاة فأني استعجاب واستبعاد من حيث العبادة لا من حيث القدرة.
قال الإمام فان قيل لم تعجب زكريا بقوله :﴿أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَـامٌ﴾ مع أنه طلبه قلنا تعجب من أن يجعلهما شابين ثم يرزقها الولد أو يتركهما شيخين ويلدان مع الشيخوخة يدل قوله تعالى :﴿رَبِّ لا تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَه وَوَهَبْنَا لَه يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَه زَوْجَه﴾ (الأنبياء : ٨٩ ـ ٩٠) أي : أعدنا له قوة الولادة انتهى.
وفي "الأسئلة المقحمة" أراد من التي يكون منه هذا الولد أمن هذه المرة وهي عاقر أم من امرأة أخرى أتزوج بها أو مملوكة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٦
﴿قَالَ﴾ الملك المبلغ للبشارة ﴿كَذَالِكَ﴾ أي : الأمر كما قلت.
وبالفارسية :(همنجين است توكفتي ازيري) وضعف أما ﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ﴾ (اين كاركه آفريدن فرزنداست درين سن ازين دو شخص) مع بعده في نفسه ﴿عَلَىَّ﴾ (برقدت من خاصة) ﴿هَيِّنٌ﴾ (آسانست) أرد عليك قوتك حتى تقوى على الجماع وأفتق رحم امرأتك بالولد كما في تفسير "الجلالين والكاشفي".
وقال في "الإرشاد" الكاف في كذلك مقحمة كما في مثلك لا يبخل فمحلها النصب على أنه مصدر تشبيهي لقال الثاني وذلك إشارة إلى مصدره الذي هو عبارة عن الوعد السابق لا إلى قول آخر شبه هذا به وقوله :﴿هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ﴾ جملة مقررة للوعد المذكور دالة على إنجازه داخلة في حيز قال الأول كأنه قيل قال الله مثل ذلك القول البديع قلت : أي مثل ذلك الوعد الخارق للعادة وعدت هو عليّ خاصة هين وإن كان في العادة مستحيلاً ويجوز أن يكون محل الكاف في كذلك الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وذلك إشارة إلى ما تقدم من وعده تعالى أي : قال عز وعلا أمر كما وعدت وهو واقع لا محالة وقوله :﴿قَالَ رَبُّكَ﴾ استئناف.
مقرر لمضمونه ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ﴾ من قبل يحيى في تضاعيف خلق آدم ﴿وَلَمْ تَكُ﴾ إذ ذاك ﴿شَيْـاًا﴾ أصلاً بل عد ما صرفا فخلق يحيى من البشرين اهون من خلقك مفردا والمراد خلق آدم لأنه انموذج مشتمل على جميع الذرية.
قال الإمام وجه الاستدلال بقوله تعالى :﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ﴾ إلخ أن خلقه من العدم الصرف خلق للذات والصفات وخلق الولد من شيخين لا يحتاج إلا إلى تبديل الصفات والقادر على خلق الذات والصفات أولى أن يقدر على تبديل الصفات انتهى.
قال في "بحر العلوم" ولفظ الشيء عندنا يختص بالموجود وبالعكس، ونفي كون الشيء تقرير لعدمه فالآية دليل على أن المعدوم ليس بشيء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٦