وفي "التأويلات النجمية" :﴿فَأَجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ لإظهار المعجزة في الجذع انتهى.
والجذع ما بين العرق والغصن أي : أسفلها ما دون الرأس الذي عليه الثمر وكانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا خضرة وكان الوقت شتاء ولعله تعالى ألهمها ذلك ليريها من آياته ما يسكن روعتها فإن النخلة اليابسة التي لا رأس لها قد أثمرت في الشتاء وهي أقل شيء صبراً على البرد وثمرها إنما هو من جمارها بعد اللقاح والجمار رأس النخلة وهو شيء أبيض لين وليطعمها الرطب الذي هو خرست النفساء الموافقة لها والخرسة بالتاء طعام النفساء وبدونها طعام الولادة ﴿قَالَتْ يا لَيْتَنِى مِتُّ﴾ (كفت كاشكى من مردمى) وهو بكسر الميم من مات يمات كخفت وقرىء بضمها من مات يموت ﴿قَبْلَ هَـاذَا﴾ اليوم أو هذا الأمر كما في "الجلالين" وإنما قالته مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريل من الوعد الكريم استحياء من الناس على حكم العادة البشرية لا كراهة لحكم الله وخوفاً من ملامتهم وحذراً من وقوع الناس في المعصية بما تكلموا فيها أو جرياً على سنن الصالحين عند اشتداد الأمر عليهم كما روى عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تبنة من الأرض فقال : يا ليتني هذه التبنة ولم أكن شيئاً وعن بلال أنه قال : ليت بلالاً لم تلده أمه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٤
فقولي تارة يا رب زدني
وأخرى ليت أمي لم تلدني
وفي "التأويلات النجمية" :﴿قَبْلَ هَـاذَا﴾ أي : قبل هذا الحمل فإنه بسبب حملي وولدي يدخل الله النار خلقاً عظيماً لأن بعضهم يتهمني بالزنى وبعضهم يتهم ولدي بابن الله ﴿وَكُنتُ﴾ (وبودمى) ﴿نَسِيًّا﴾ شيئاً حقيراً شأنه أن ينسى ولا يعتد به أصلاً ﴿مَّنسِيًّا﴾ لا يخطر ببال أحد من الناس وهو نعت للمبالغة.
وفي "التأويلات" :﴿نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ في العدم لا يذكرني الله بالإيجاد.
وقال الكاشفي :(يعني هيكس مرا اندانستى وازمن حساب نداشتى وحال آنكه همه اخبار بيت المقدس مرامى شناسندكه دختر امام ايشانم در كفالت زكريا بوده ام وهنوز بكارت من زائل نشده وشوهرى نكرده ام واكنون فرزند مى زايم واز خجالت آن حال نمى دانم ه كنم) :
هرند بروى كار درمينكرم
محنت زده وخود نمى بينم من
أي : جبرائيل حين سمع جزعها لأن عيسى لم يتكلم حتى أتت به قومها
٣٢٦
﴿مِن تَحْتِهَآ﴾ من مكان أسفل منها تحت الأكمة.
وقال في "القصص" : من تحت النخلة.
وفي "الأسئلة المقحمة" قرىء بفتح الميم يعني به عيسى لما خرج من البطن ناداها ﴿أَلا تَحْزَنِى﴾ أن مفسرة بمعنى أي : لا تحزني بولادة عيسى وبمكان القحط (وتمناى مرك مكن) أو مصدرية على حذف الباء تقديره بأن لا تحزني.
والحزن غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ﴾ أي : في مكان أسفل منك ﴿سَرِيًّا﴾ نهراً صغيراً على ما فسره النبي عليه السلام.
قال ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل ضرب برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى جدولاً.
وقال بعض أرباب الحقيقة : أنبأ عيسى عن نبوته في المهد بقوله :﴿الْكِتَـابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا * وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَـانِى﴾ (مريم : ٣٠) وفي بطن أمه بقوله :﴿أَلا تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ أي : سيداً على القوم بالنبوة انتهى.
فيكون من السرو وهو السؤدد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٤


الصفحة التالية
Icon