هز الشيء تحريكه إلى الجهات المتقابلة تحريكاً عنيفاً متداركاً والمراد ههنا ما كان منه بطريق الجذب والدفع لقوله :﴿إِلَيْكِ﴾ أي : إلى جهتك ﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ الباء صلة لتأكيد كما في قوله تعالى :﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة : ١٩٥) قال الفراء : تقول العرب هزه وهز به ﴿تُسَـاقِطْ﴾ أي : تسقط النخلة ﴿عَلَيْكِ﴾ إسقاطاً متواتراً حسب تواتر الهز ﴿رُطَبًا﴾ (خرماى تازه) ﴿جَنِيًّا﴾ وهو ما قطع قبل يبسه فعيل بمعنى مفعول أي : رطباً مجنياً أي : صالحاً للاجتناء قد بلغ الغاية.
قال في "الأسئلة المقحمة" : كيف أمرها بهز النخلة ههنا وقبل ذلك كان زكريا يجد رزقها في المحراب فالجواب أنها في حالة الطفولية كانت بلا علاقة أوجبت العناء والمشقة.
وقال في "أسئلة الحكم" ما الحكمة في أمرها بالهز قيل لأنها تعجبت من ولد بغير أب فأراها الرطب من نخل يابس آية منه تعالى كيلا تتعجب منه.
وأما سر كون الآية في النخلة فلأنها خلقت من طينة آدم وفيها نسبة معنوية لحقيقة الإنسانية دون غيرها لعدم حصولها بغير زوج ذكر يسمى بالتأبير وقال : لم أجرى الله النهر بغير سعي مريم ولم يعطها الرطب إلا بسعيها؟ قيل : لأن الرطب غذاء وشهوة والماء سبب للطهارة والخدمة وقيل ثمرة الرطب صورة العمل الكسبي والماء صورة سر الفيض الإلهي فأجرى كل شيء في منزله ومقامه لأن كل كرامة صورة عمل السالك إذا تحقق وتخلق به وقيل جرت عادة الله تعالى في الرطب بأسباب التعمل كالغرس والسقي والتأبير والماء ليس له سبب أرضى بل هو وهبي سماوي ولذا أجرى النهر لمريم بغير سبب.
﴿فَكُلِى﴾ من ذلك الرطب ﴿وَاشْرَبِى﴾ من ماء السري وكان ذلك إرهاصاً لعيسى أو كرامة لأمه وليس بمعجزة لفقد شرطها وهو التحدي كما في "بحر العلوم".
قال الإمام في تفسيره قدم الأكل لأن حاجتها إليه أشد من حاجتها إلى الماء لكثرة ما سال منها من الدماء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٤
فإن قيل مضرة الخوف أشد لأنه ألم الروح والجوع والعطش ألم البدن ونقل أنه أجيع شاة ثم قدم إليها العلف وربط عندها ذئب فلم تأكل ثم أبعد الذئب وكسر رجلها فتناولت فدل على أن ألم الخوف أشد فلم أخر الله سبحانه دفع ضرره.
قلنا : كان الخوف قليلاً لبشارة جبريل فلم يحتج إلى التذكير مرة أخرى انتهى.
قالوا : التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذلك التحنيك وهو بالفارسية (كام كودك بماليدن) يقال حنك الصبي تمراً أو غيره فدلكه بحنكه وقالوا : كان من
٣٢٧
العجوة وهي بالحجاز أم التمر كما في "القاموس" وفي الحديث :"إذا ولدت امرأة فليكن أول ما تأكل الرطب فإن لم يكن رطب فتمر فإنه لو كان شيء أفضل منه لأطعمه الله تعالى مريم بنت عمران حين ولدت عيسى".
قال الربيع بن خيثم : ما للنفساء عندي خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل ﴿وَقَرِّى عَيْنًا﴾ وطيبي نفساً وارفضي عنها ما أحزنك واهمك فإن الله تعالى قد نزه ساحتك بالخوارق من جري النهر واخضرار النخلة اليابسة وإثمارها قبل وقتها لأنهم إذا رأوا ذلك لم يستبعدوا ولادة ولد بلا فحل واشتقاقه من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره يقال أقر الله عينيك أي : صادف فؤادك ما يرضيك فيقر عينك من النظر إلى غيره.
قال في "القاموس" : قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة ويضم وقروراً بردت وانقطع بكاؤها أو رأت ما كانت متشوفة إليه انتهى.
أو من القر بالضم وهو البرد فإن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين وسخنة العين للمحبوب والمكروه.
وقال الكاشفي :(وقري عيناً وروشن ساز شم را يفرزند ياخود بسبز شدن درخت وبر دادن او كه مناسبت باحال تو دارد ه آنكه قادراست بر اظهار خرما از درخت يابس قدرت دارد برايجاد ولد ازمادربى در وحق سبحانه وملائكه فرستاد تابكرد مريم در آمدند وون عيسى عليه السلام متولد شد اورا فرا كرفته شتند ودرحرير بهشت ييده دركنار مريم نهادند) قالوا : ما من مولود يستهل غيره (وندا رسيد) ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ أي : فإن ترى آدمياً كائناً من كان وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وهي بمنزلة لام القسم في أنها إذا دخلت على الفعل دخلت معها النون المؤكدة ﴿فَقُولِى﴾ له إن استنطقك أي : سألك علي ولدك (يعني رسند اين فرزند از كجاست) ولأمككِ عليه ﴿إِنِّى نَذَرْتُ﴾ أوجبت على نفسي ﴿لِلرَّحْمَـانِ صَوْمًا﴾ أي : صمتاً أو صياماً وكان صيام المجتهدين من بني إسرائيل بالإمساك عن الطعام والكلام حتى يمسي وقد نسخ في هذه الأمة لأنه عليه السلام نهى عن صوم الصمت.
قال في أبكار الأذكار السكوت في وقته صفة الرجال كما أن النطق في موضعه شرف الخصال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٤
اكره يش خرمند خامشى ادبست
بوقت مصلحت آن به كه درسخن كوشى
دويز طيره عقلست دم فرو بستن
بوقت كفتن وكفتن بوقت خاموشى