﴿وَالسَّلَـامُ عَلَىَّ﴾ (سلام خداى برمنست) ﴿يَوْمَ وُلِدتُّ﴾ بلا والد طبيعي أي : من طعن الشيطان ﴿وَيَوْمَ أَمُوتُ﴾ من شدائد الموت وما بعده ﴿وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ حال أي : من هول القيامة وعذاب النار كما هو على يحيى يعني السلامة من الله وجهت إليّ كما وجهت إلى يحيى في هذه الأحوال الثلاثة العظام على أن التعريف للعهد والأظهر على أنه للجنس والتعريض باللعن عن أعدائه فإن إثبات جنس السلام لنفسه تعريض لإثبات ضده لأضداده كما في قوله تعالى :﴿وَالسَّلَـامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ (طه : ٤٧) فإنه تعريض بأن العذاب على من كذب وتولى فلما كلمهم عيسى بهذا الكلام أيقنوا ببراءة أمه وأنها من أهل العصمة والبعد من الريبة ولم يتكلم بعد حتى بلغ سن الكلام.
قال في "الأسئلة المقحمة" قوله :﴿وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ يدل على أن لا حياة في القبر لأنه ذكر حياة واحدة والجواب أنه أراد بها الدائمة الباقية بخلاف حياة القبر انتهى.
يقول الفقير : لا شك أن حياة البرزخ على النصف من حياة يوم البعث فإن الأولى حياة الروح فقط والثانية حياة الروح والجسد معاً وهي المرادة ههنا ولا انقطاع لحياة الأرواح مذ خلقت من الأبديات فافهم.
ثم إنه نكر في سلام يحيى وعرف في سلام عيسى لأن الأول من الله والقليل منه كثير قال بعضهم قليلك لا يقال له قليل ولهذا قرأ الحسن إهدنا صراطاً مستقيماً أي : نحن راضون بالقليل، كذا في "برهان القرآن".
قال شيخي وسندي في "كتاب البرقيات" له قدس سره إنما أتى بطريق الغيبة في حق يحيى عليه السلام لأن كلا منهما أهل الحقيقة والفناء والكمال الجامع بين الجلال والجمال وأهل الشريعة والبقاء والجلال والجمال مندرجون
٣٣١
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣١
تحت حيطة الكمال إلا أن الميل الاستعدادي الأزلي إلى جانب الحقيقة والفناء وكمال الجلال غالب في جمعية يحيى عليه السلام بحسب الفطرة الإلهية الأزلية وهذه الغلبة ليست إختيارية بل إضطرارية أزلية حاصلة باستيلاء سلطنة الحقيقة والفناء وكمال الجلال على قلبه وهذا الميل إلى جانب الشريعة والبقاء جمال غالب في جمعية عيسى عليه السلام بحسب الفطرة الإلهية الأزلية وهذه الغلبة أيضاً ليست إختيارية بل إضطرارية حاصلة باستيلاء دولة الشريعة والبقاء وجمال الكمال على قلبه ومقتضى الغلبة اليحياوية السكوت وترك النطق ولذا كان المتكلم في بيان أحواله هو الله تعالى وأتى بطريق الغيبة لا نفسه وهو من قبيل من عرف كل لسانه لغلبة الفناء على البقاء وكل من كل لسانه في معرفة الله فهو على مشرب يحيى ومقتضى الغلبة العيسوية النطق وترك السكوت ولذا كان المتكلم في بيان أحوال نفسه وأتى بطريق الحكاية دون الله تعالى وهو من قبيل من عرف الله طال لسانه لغلبة البقاء على الفناء وكل من طال لسانه في معرفة الله فهو على مشرب عيسى عليه السلام وحال كل منهما بقضاء الله ورضاه وهما مشتركان في الجمعية الكبرى مجتمعان في ميل الأهلية العظمى ومنفردان في غلبة العليا بأن تكون غلبة ميل يحيى عليه السلام إلى الفناء وغلبة ميل عيسى عليه السلام إلى البقاء ولو اجتمعا في تلك الغلبة أيضاً لما امتاز حال أحدهما عن الآخرة بل يكون عبثاً نوعاً تعالى الله عن العبث ولذا لم يتجل لأحد بعين ما يتجلى به لغيره بل إنما يتجلى لكل متجل له بوجه آخر ولهذه الحكمة كان الجلال غالباً في قلب يحيى والجمال غالباً في قلب عيسى عليه السلام حتى يكون التجلي لكل منهما بوجه آخر مع أحدية أصله ويوجد بينهما فرق بعد الجمع وكل من ورث هذا المقام بعدهما إلى يوم القيامة من أولياء الله الكرامة يقول الله له بطريق الفيض والإلهام السلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهو من قبيل مبشراتهم الدنيوية التي أشير إليها بقوله تعالى :﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ (يونس : ٦٤) إلا أنهم يكتمون أمثاله لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفي لهم ولا حاجة لهم بعلم غيرهم وأما الأنبياء عليهم السلام فهم يخبرون بسلامتهم لكونهم شارعين فلا بد لغيرهم من العلم بسلامتهم حتى يؤمن ويقبل دعوتهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى.
قال في"أسئلة الحكم" : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن مقامهما حيث قال :"إن عيسى ويحيى التقيا فقال يحيى لعيسى كأنك قد أمنت مكر الله وقال عيسى ليحيى كأنك قد أيست من فضل الله ورحمته فأوحى الله تعالى إليهما أن أحبكما إليّ أحسنكما ظناً بي" وكان عاقبة أمره في مقام الجلال أن قتل فلم يزل فائراً دمه حتى قتل من أجله سبعون ألفاً قصاصاً منه فسكن فورانه وكان عاقبة أمر عيسى في مقام البسط والجمال أن رفع إلى السماء أي إلى الملأ الأعلى من مظاهر الجمال فكلاهما في مقامهما فائزان كاملان انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣١


الصفحة التالية
Icon