وفي "التأويلات النجمية" قوله :﴿وَيَوْمَ أَمُوتُ﴾ فيه إشارة إلى أن عيسى المعنى المتولد من نفخ الحق في القلب قابل الموت بسم غلبات صفات النفس والمعاملات المنتجة منها لئلا يغتر الواصل بأنه إذا حي بحياة لا يموت المعنى الذي في قلبه، يقول الفقير :
٣٣٢
اى بسازنده بمرده مغرور
شده از دائره زنكى دور
كشت بروى متغير حالش
زهر شد جمله فيض بالش
ماند دوعين قفا صورت او
كره در صورت ظاهر شده رو
درى نفس بدش هركه دويد
تانبنداركه سر منزل ديد
قال في "التكملة" : ولد عيسى عليه السلام في أيام ملوك الطوائف لمضي خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل وقيل لأكثر من ذلك وكان حمل مريم به وهي ابنة ثلاث عشرة سنة ونبىء عيسى وهو ابن ثلاثين سنة ورفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وعاشت مريم بعده ست سنين وخرجت به أمه من الشام إلى مصر وهو صغير خوفاً عليه من هيردوس الملك وذلك أن ملك فارس علم بمولده لطلوع نجمه فوجه له هدايا من الذهب والمر واللبان فأتت رسله بالهدايا حتى دخلت على هيردوس فسألوه عنه فلم يعلم به فأخبروه بخبره وبأنه يكون نبياً وأخبروه بالهدايا فقال لهم : لم أهديتم الذهب؟ قالوا : لأنه سيد المتاع وهو سيد أهل زمانه قال لهم : ولم أهديتم المر؟ قالوا : لأنه يجبر الجرح والكسر وهو يشفي السقام والعلل قال : ولم أهديتم اللبان؟ قالوا : لأنه يصعد دخان إلى السماء وكذلك هو يرفع إلى السماع فخافه هيردوس وقال لهم : إذا عرفتم مكانه فعرفوني به فإني راغب فيما رغبتم فيه فلما وجدوه دفعوا الهداية لمريم وأرادوا الرجوع إلى هيردوس فبعث الله لهم ملكاً وقال لهم إنه يريد قتله فرجعوا ولم يلقوا هيردوس وأمر الله مريم أن ينتقل به إلى مصر ومعهما يوسف بن يعقوب النجار فسكنت به في مصر حتى كان ابن اثنتي عشرة سنة ومات هيردوس فرجعت إلى الشام انتهى.
ـ روي ـ أن مريم سلمت عيسى إلى معلمه فعلمه أبجد فقال عيسى : أتدري ما "أبجد"؟ قال : لا فقال : أما الألف فآلاء الله والباء بهاء الله والجيم جلال الله والدال دين الله فقال المعلم : أحسنت فما "هوز"؟ فقال : الهاء هو الله الذي لا إله إلا هو والواو ويل للمكذبين والزاي زبانية جهنم أعدت للكافرين فقال المعلم : أحسنت فما "حطي"؟ قال : الحاء حطة الخطايا عن المذنبين والطاء شجرة طوبى والياء يد الله على خلقه فقال : أحسنت فما "كلمن"؟ قال : الكاف كلام الله واللام لقاء أهل الجنة بعضهم بعضاً والميم ملك الله والنون نور الله فقال : أحسنت فما "سعفص"؟ قال : السين سناء الله والعين علم الله والفاء فعله في خلقه والصاد صدقه في أقواله فقال : أحسنت فما "قرشت"؟ قال : القاف قدرة الله والراء ربوبيته والشين مشيئته والتاء تعالى الله عما يشركون فقال له المعلم : أحسنت ثم قال لمريم : خذي ولدك وانصرفي فإنه علمني ما لم أكن أعرفه كذا في "قصص الأنبياء".
قيل : هذه الكلمات وهي أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت وثخذ وضظع أسماء ثمانية ملوك فيما تقدم.
وقيل هي أسماء ثمانية من الفلاسفة.
وقيل هذه الكلمات وضعها اليونانيون لضبط الأعداد وتمييز مراتبها كذا في "شرح التقويم".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣١
وقال محمد بن طلحة في "العقد الفريد" : أول من وضع الخط العربي وأقامه وصنع حرفه وأقسامه ستة أشخاص من طسم كانوا نزولاً عند عدنان بن داود وكانت أسماؤهم أبجد وهوز حطي وكلمن وسعفص وقرشت ووضعوا الكتابة والخط على أسمائهم فلما وجدوا في الألفاظ حروفاً ليست في
٣٣٣
أسمائهم ألحقوها بها وسموها الروادف وهي الثاء والخاء والذال والضاد والظاء والغين على حسب ما يلحق حروف الجمل هذا تلخيص ما قيل في ذلك وقيل غيره انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣١
﴿ذَالِكَ﴾ الذي فصلت نعوته الجليلة ﴿عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم فيما يصفونه على الوجه الأبلغ والطريق البرهاني حيث جعله موصوفاً بأضداد ما يصفونه ثم عكس على الحكم ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ قول الثابت والصدق وهو بالنصب على أنه مصدر مؤكد لقال إني عبد الله الخ وقوله ذلك عيسى ابن مريم اعتراض ﴿الَّذِى فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ أي : يشكون فإن المرية الشك فيقولون هو ابن الله.
﴿مَّا كَانَ اللَّهُ﴾ ما صح وما استقام له تعالى :﴿أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ﴾ أي : ولداً وجاء بمن لتأكيد النفي العام.