وفي "التأويلات النجمية" : أي : جزأ فإن الولد جزؤ الوالد كما قال عليه السلام :"فاطمة بضعة مني" ﴿سُبْحَـانَه﴾ أي : تنزه وتعالى تنزيهاً عن بهتان النصارى لأنه ليس للقديم جنس إذ لا جنس له ولذلك قالوا : لا فضل له ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ أي : أراد كونه ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَه كُن فَيَكُونُ﴾ قال لعيسى : كن فكان من غير أب والقول ههنا مجاز عن سرعة الإيجاد.
والمعنى أنه تعالى إذا أراد تكوين الأشياء لم تمتنع عليه ووجدت كما أرادها على الفور من غير تأخير في ذلك كالمأمور المطيع الذي إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع كان المأمور به مفعولاً لا حبس ولا إبطاء وهو المجاز الذي يسمى التمثيل.
﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ من تمام كلام عيسى عطف على قوله :﴿إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ﴾ داخل تحت القول ﴿هَـاذَا﴾ الذي ذكرته من التوحيد ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ لا يضل سالكه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٤
﴿فَاخْتَلَفَ الاحْزَابُ﴾ جمع حزب بمعنى الجماعة ﴿مِنا بَيْنِهِمْ﴾ أي : من بين الناس المخاطبين بقوله :﴿رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ وهم القوم المبعوث إليهم فقالت النسطورية : هو ابن الله واليعقوبية هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء وقالت الملكانية هو عبد الله ونبيه.
وفي "التأويلات النجمية" أي : تحزبوا ثلاث فرق : فرقة يعبدون الله بالسير على قدمي الشريعة والطريقة بالعبور على المقامات والوصول إلى القربات وهم الأولياء والصديقون وهم أهل الله خاصة وفرقة يعبدون الله على صورة الشريعة وأعمالها وهم المؤمنون المسلمون وهم أهل الجنة وفرقة يعبدون الهوى على وفق الطبيعة ويزعمون أنهم يعبدون الله كما أن الكفار يعبدون الأصنام ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فهؤلاء ينكرون على أهل الحق وهم أهل البدع والأهواء والسمعة والنفاق وهم أهل النار ﴿فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهم المختلفون.
والويل الهلاك وهو نكرة وقعت مبتدأ وخبره ما بعده ونظيره سلام عليك فإن أصله منصوب نائب مناب فعله لكنه عدل به إلى الرفع على الابتداء للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ﴿مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي : من شهود يوم عظيم الهول والحساب والجزاء وهو يوم القيامة.
﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ (ه شنو باشد كافران وه بينا) وهو تعجب من حدة سمعهم وأبصارهم يومئذٍ ومعناه أن استماعهم وأبصارهم للهدى ﴿يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ للحساب والجزاء يوم القيامة جدير بأن يتعجب منه بعد أن كانوا في الدنيا صماً وعمياً والتعجب استعظام الشيء مع الجهل بسببه ثم استعمل لمجرد الاستعظام ﴿لَـاكِنِ الظَّـالِمُونَ الْيَوْمَ﴾ أي : في الدنيا ﴿فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ في خطأ ظاهر
٣٣٤
لا يدرك غايته حيث أغفلوا الاستماع والنظر بالكلية حين ينفعهم.
عمر مكن ضايع بافسوس وحيف
كه فرصت عزيزست والوقت سيف
كه فردا شيمان برآرى خروش
كه آوخ را حق نكردم بكوش
﴿وَأَنذِرْهُمْ﴾ خوفهم يا محمد يعني الظالمين ﴿يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ أي : من يوم يتحسر فيه ويتحزن الناس ويندمون قاطبة أما المسيىء فعلى إساءته وأما المحسن فعلى قلة إحسانه ﴿إِذْ قُضِىَ الامْرُ﴾ بدل من يوم الحسرة أي : فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٤
ـ وروي ـ أن النبي عليه السلام سئل عن ذلك فقال :"حين يجاء بالموت على صورة الكبش الأملح فيذبح والفريقان ينظرون فينادي المنادي يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرح وأهل النار غماً إلى غم" ﴿وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ﴾ أي : عما يفعل بهم في الآخرة ﴿وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ وهما جملتان حاليتان من الضمير المستتر في قوله تعالى :﴿فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ أي : مستقرون في ذلك وهم في تينك الحالتين وما بينهما إعتراض.
﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ تأكيد لأنا ﴿نَرِثُ﴾ نملك ﴿الارْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا﴾ ذكر من تغليباً للعقلاء أي : لا يبقى لأحد غيرنا عليهم ملك ولا ملك وقد سبق في سورة الحجر ما يتعلق بهذه الآية ﴿وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ أي : يردون للجزاء لا إلى غيرنا استقلالاً واشتراكاً.
اعلم أن الرجوع على نوعين : رجوع بالقهر وهو رجوع العوام لأن نفوسهم باقية مطمئنة بالدنيا فلا يخرجون مما هم عليه إلا بالكراهة ورجوع باللطف وهو رجوع الخواص لأن نفوسهم فانية غير مطمئنة بالدنيا والعقبى بل بالمولى الأعلى فيخرجون من الدنيا والموت ولقاء الله تعالى أحب إليهم من كل شيء.
فعلى السالك أن يجتهد في تحصيل الفناء والبقاء وتكميل الشوق إلى اللقاء ويرجع إلى الله تعالى قبل أن يرجع فإن سرّ لمن الملك اليوم دائر على هذا.
صرصر قهروى از ممكن وحدت بوزيد
حس وخاشاك تعين همه برباد ببرد
هره در عرصه امكان بوجود آمده بود
سيل عزت همه را تا عدم آباد ببرد


الصفحة التالية
Icon