العاقل فضلاً عن ترغيب الغير عنها قدم الخبر على المبتدأ للاهتمام الأولى كونه مبتدأ وأنت فاعله سد مسد الخبر لئلا يلزم الفصل بين الصفة وما يتعلق بها وهو عن كذا في "تفسير الشيخ".
﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهِ﴾ والله لئن لم ترجع عما كنت عليه من النهي عن عبادتها ﴿لارْجُمَنَّكَ﴾ بالحجارة حتى تموت أو تبعد عني وقيل باللسان يعني : الشتم والذم ومنه الرجيم المرمي باللعن وأصل الرجم الرمي بالرجام بالكسر وهي الحجارة ﴿وَاهْجُرْنِى﴾ عطف على ما دل عليه لأرجمنك أي : فاحذرني واتركني ﴿مَلِيًّا﴾ أي : زماناً طويلاً سالماً مني ولا تكلمني من الملاوة وهو الدهر ﴿قَالَ﴾ إبراهيم وهو استئناف بياني.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٦
﴿سَلَـامٌ عَلَيْكَ﴾ (سلام برتو يعنى ميروم ووداع ميكنم) فهو سلام مفارقة لا سلام لطف وإحسان لأنه ليس بدعاء له كقوله :﴿سَلَـامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِى الْجَـاهِلِينَ﴾ على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة ودل على جواز متاركة المنصوح إذا أظهر اللجاج.
والمعنى سلمت مني لا أصيبك بمكروه بعد ولا أشافهك بما يؤذيك ولكن ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ السين للاستقبال أو لمجرد التأكيد أي : استدعيه أن يغفر لك بأن يوفقك للتوبة ويهديك إلى الإيمان كما يلوح به تعليل قوله :﴿وَاغْفِرْ لابِى﴾ (الشعراء : ٨٦) بقوله :﴿إِنَّه كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ﴾ (الشعراء : ٨٦) والاستغفار بهذا المعنى للكافر قبل تبيين أنه يموت على الكفر مما لا ريب في جوازه وإنما المحظور استدعاؤه له مع بقائه على الكفر فإنه مما لا مساغ له عقلاً ولا نقلاً وأما الاستغفار له بعد موته على الكفر فلا يأباه قضية العقل وإنما الذي يمنعه السمع ألا يرى إلى أنه عليه السلام قال لعمه أبي طالب "لا أزال أستغفر لك ما لم أُنهَ عنه" فنزل قوله تعالى :﴿مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ (التوبة : ١١٣) الآية ولا اشتباه في أن هذا الوعد من إبراهيم وكذا قوله :﴿لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ (الممتحنة : ٤) وما ترتب عليهما من قوله ﴿وَاغْفِرْ لابِى﴾ إنما كان قبل انقطاع رجائه عن إيمانه لعدم تبين أمره ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَه أَنَّه عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ (التوبة : ١١٤) ﴿إِنَّه كَانَ بِى حَفِيًّا﴾ أي : بليغاً في البر والإلطاف يقال حفيت به بالغت وتحفيت في إكرامه بالغت.
﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ﴾ أي : أتباعد عنك وعن قومك بالمهاجرة بديني حيث لم يؤثر فيكم نصائحي ﴿وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي : تبعدون ﴿وَأَدْعُوا رَبِّى﴾ أي : اعبده وحده ﴿عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا﴾ أي : بدعائي إياه خائباً ضائع السعي وفيه تعريض لشقائهم في عبادتهم آلهتهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٦
حاجت زكسى خواه كه محتاجا نرا
بى بهره نكرداند از انعام عميم
وفي تصدير الكلام بعسى إظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب.
﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ بالمهاجرة إلى الشام.
قال في "تفسير الشيخ" : فارتحل من كوثي إلى الأرض المقدسة ﴿وَهَبْنَا لَه إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ ابن إسحاق بدل من فارقه من أقربائه الكفرة لا عقيب المجاوزة والمهاجرة فإن المشهور أن الموهوب حينئذٍ إسماعيل لقوله :﴿فَبَشَّرْنَـاهُ بِغُلَـامٍ حَلِيمٍ﴾ أثر دعائه بقوله :﴿رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ (الصافاتت : ١٠٠) ولعل تخصيصهما بالذكر لأنهما شجرة الأنبياء أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل بفضل على انفراده ﴿وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ أي : كل واحد منهم جعلناه نبياً لا بعضهم دون بعض فكلاً مفعول أول لجعلنا قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسبة إلى من عداهم بل بالنسبة إلى بعضهم.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُْم مِّن رَّحْمَتِنَا﴾ كل خير ديني ودنيوي
٣٣٧
مما لا يوهب لأحد من العالمين ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ ثناء حسناً رفيعاً فإن لسان الصدق هو الثناء الحسن على أن يكون المراد باللسان ما يوجد به من الكلام ولسان العرب وإضافته من إضافة الموصوف إلى الصفة أي : يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته بقوله :﴿وَاجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الاخِرِينَ﴾ (الشعراء : ٨٤).
اعلم أن في الآيات إشارات :
منها : الرفق وحسن الخلق فإن الهادي إلى الحق يجب أن يكون رفيقاً فإن العنف يوجب إعراض المستمع وفي الحديث "أوحى الله إلى إبراهيم يا خليل حَسِّن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه بأن أظله تحت عرشي وأسكنه حظيرة القدس وأدنيه من جواري"، قال الصائب :
كذشت عمرو نكردى كلام خودرا نرم
ترا ه حاصل ازين آسياى دندانست