﴿وَوَهَبْنَا لَه مِن رَّحْمَتِنَآ﴾ أي : من أجل رحمتنا ورأفتنا به ﴿أَخَاهُ هَـارُونَ﴾ أخاه مفعول وهبنا وهارون عطف بيان لأخاه ﴿نَبِيًّا﴾ حال منه ليكون معه وزيراً معيناً كما سأل ذلك ربه فقال :﴿وَاجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى﴾ (طه : ٢٩) فالهبة على ظاهرها كما في قوله :﴿وَوَهَبْنَا لَه إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ (مريم : ٤٩) فإن هارون كان أسن من موسى فوجب الحمل على المعاضدة والموازرة (صاحب كشف الأسرار كويد حضرت موسى عليه السلام را هم روش بود وهم كشش اشارت بروش او ﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى﴾ (الأعراف : ١٤٣) عبارت از كشش او ﴿وَقَرَّبْنَـاهُ نَجِيًّا﴾ سالك تا در روش است خطر دارد وون كشش در رسيد خطر را باوكار نيست يعنى در سلوك شوب تفرقه هست وجذبه محض جمعيت است :
با خود روى بيحاصلى ون او كشيدت واصلى
رفتن كجا بردن كجا اين سر ربانيست اين
قال المولى الجامي :
٣٣٩
سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند
سالها كره درين راه تك ووى كنند)
وفي "التأويلات النجمية" : قوله :﴿وَوَهَبْنَا لَه مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَـارُونَ نَبِيًّا﴾ يشير إلى أن النبوة ليست بكسبية بل هي من مواهب الحق تعالى يهب لمن يشاء النبوة ويهب لمن يشاء الرسالة من رحمته وفضله لا من كسبهم واجتهادهم على أن توفيق الكسب والاجتهاد أيضاً من مواهب الحق تعالى وفيه إشارة إلى أن موسى عليه السلام أشد اختصاصاً بالقربة والقبول عند الله تعالى حتى يهب أخاه هرون النبوة والرسالة بشفاعته والعجب أن الله تعالى يهب النبوة والرسالة بشفاعة موسى عليه السلام وأنه يهب الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلّم لقوله :"الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم عليه السلام" اللهم اجعلنا من المستسعدين بشفاعته واحشرنا تحت لوائه ورايته.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٨
﴿وَاذْكُرْ فِى الْكِتَـابِ إِسْمَـاعِيلَ﴾ فصل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه لإبراز كمال الاعتناء بأمره بإيراده مستقلاً أي : واتل على قومك يا محمد في القرآن قصة جدك إسماعيل وبلغها إليهم ﴿إِنَّه كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ فيما بينه وبين الله وكذا بين الناس.
قال في "التأويلات النجمية" : فيما وعد الله بأداء العبودية انتهى.
والوعد عبارة عن الأخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها وإيراده بهذا الوصف لكمال شهرته به واتصاله بأشياء في هذا الباب لم تعهد من غيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إسماعيل عليه السلام وعد صاحباً له أن ينتظره في مكان فانتظره سنة :
نيست بر مردم صاحب نظر
صورتى از صدق ووفا خوبتر
وناهيك أنه وعد الصبر على الذبح فوفى حيث قال :﴿سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـابِرِينَ﴾ (الصافات : ١٠٢) وفيه حث على صدق الوعد والوفاء به والأصل فيه نيته لقوله عليه السلام :"إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف ولم يجىء للميعاد فلا إثم عليه".
واعلم أن الله تعالى أثنى على إسماعيل بكونه صادق والوعد إشارة إلى أن الثناء إنما يتحقق بصدق الوعد وإتيان الواعد بالموعود لا بصدق الوعيد وإتيان المتوعد مما توعد به إذ لا يثني عقلاً وعرفاً على ما يصدر منه الآفات والمضرات بل على من يصدر منه الخيرات والمبرات ومن هذا ذهب بعض العلماء إلى الخلف في الوعيد جائز على الله تعالى دون الوعد صرحه الإمام الواحدي في "الوسيط" في قوله تعالى في سورة النساء ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُه جَهَنَّمُ﴾ الآية وفي الحديث :"من وعد لأحد على عمله ثواباً فهو منجز له ومن أوعده على عمله عقاباً فهو بالخيار" والعرب لا تعد عيباً ولا خلفاً أن يعد أحد شراً ثم لا يفعله بل ترى ذلك كرماً وفضلاً كما قيل :
وإني إذا أوعدته أو وعدته
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وقيل :
إذا وعد السرّاء نجز وعده
وإن أوعد الضراء فالعقل مانعه
وأحسن يحيى بن معاذ في هذا المعنى حيث قال الوعد والوعيد حق فالوعد حق العباد على ما ضمن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا ومن أولى بالوفاء من الله والوعيد حقه على العباد قال : لا تفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فإن شاء عفا وإن شاء آخذ لأنه حقه وأولاهما العفو ولكرم لأنه غفور رحيم كذا في "شرح العضد" للجلال الدواني ﴿وَكَانَ رَسُولا﴾ أرسله الله تعالى
٣٤٠
إلى جرهم وإلى العماليق وإلى قبائل اليمن في زمن أبيه إبراهيم عليهما السلام.
قال في "القاموس" : جرهم كقنفذ حي من اليمن تزوج فيهم إسماعيل ﴿نَبِيًّا﴾ يخبر عن الله وكان على شريعة أبيه إبراهيم ولم يكن له كتاب أنزل إليه بإجماع العلماء وكذا لوط وإسحاق ويعقوب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٠