﴿أولئك﴾ إشارة إلى المذكورين في هذه السورة من زكريا إلى إدريس وهو مبتدأ خبره قوله ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم﴾ بأنواع النعم الدينية والدنيوية وأصناف المواهب الصورية والمعنوية وقد أشير إلى بعض ما يخص كلاً منهم ﴿مِّنَ النَّبِيِّـانَ﴾ بيان للموصول ونظيره في سورة الفتح ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً﴾ (الفتح : ٢٩) ﴿مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ﴾ بدل منه بإعادة الجار يقال ذرأ الشيء كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين كما في "القاموس" ﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ أي : ومن ذرية من حملنا معه في سفينته خصوصاً وهم من عدا إدريس فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح ﴿وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ وهم الباقون ﴿وَإِسْرَاءِيلَ﴾ عطف على إبراهيم أي : ومن ذرية إسرائيل أي : يعقوب وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى.
وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية لأن عيسى من مريم وهي من نسل يعقوب ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَآ﴾ أي : ومن جملة من هديناهم إلى الحق واصطفيناهم للنبوة والكرامة قالوا من فيه للتبيين إن عطف على من النبيين وللتبعيض إن عطف على ومن ذرية آدم ﴿إِذَا تُتْلَى﴾ تقرأ ﴿عَلَيْهِم﴾ على هؤلاء الأنبياء ﴿الرَّحْمَـانِ خَرُّوا﴾ أي : آيات الترغيب والترهيب في كتبهم المنزلة ﴿خَرُّوا﴾ سقطوا على الأرض حال كونهم ﴿سُجَّدًا﴾ ساجدين جمع ساجد ﴿وَبُكِيًّا﴾ باكين جمع باك وأصله بكويا والمعنى أن الأنبياء قبلكم مع مالهم من علو الرتبة في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله تعالى كانوا يسجدون ويبكون لسماع آيات الله فكونوا مثلهم وفي الحديث "اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا" يقال تباكى فلان إذا تكلف البكاء أي : إن لم تبك أعينكم فلتبك قلوبكم يعني تحزنوا عند سماع القرآن فإن القرآن نزل بحزن على المحزونين.
قال الكاشفي :(كلام دوست مهيج شوقست ون آتش شوق بركانون دل بر افروخته كردد ازديده
٣٤٣
خون ريختن كيرد :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤١
اى دريغا اشك من دريابدى
تانثار دلبر زيبا بدى
اشك كان ازبهر آن بارند خلق
كوهرست واشك ندارند خلق)
قال في "التأويلات النجمية" :﴿خَرُّوا﴾ بقلوبهم على عتبة العبودية ﴿سُجَّدًا﴾ بالتسليم للأحكام الأزلية ﴿وَبُكِيًّا﴾ بكاء السمع بذوبان الوجود على نار الشوق والمحبة انتهى.
قالوا : ينبغي أن يدعو الساجد في سجدته بما يليق بآياتها فههنا يقول :"اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك" وفي آية الإسراء "اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك" وفي آية تنزيل السجدة يقول :"اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك".
قال الكاشفي :(اين سجده نجمست از سجدات كلام الله حضرت شيخ قدس سره اين سجده راكه بجهت تلاوت آيات رحمانى مى بايد سجود انعام عام كفته وكريه كه متفرع براوست انرا كريه فرح وسرور ميداند ه رحمت رحما نيست مقتضى لطف ورأفت است وموجب بهجت ومسرت س نتيجه او طربست نه اندوه وتعب).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤١
﴿فَخَلَفَ مِنا بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ يقال لعقب الخير خلف بفتح اللام ولعقب الشر خلف بالسكون أي : فعقب الأنبياء المذكورين وجاء بعدهم عقب سوء من أولادهم.
وفي "الجلالين" بقي من بعد هؤلاء قوم سوء يعني اليهود والنصارى والمجوس انتهى.
وفي الحديث "ما من نبي بعثه الله في أمة إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" ذكره مسلم ﴿أَضَاعُوا الصَّلَواةَ﴾ تركوها أو أخروها عن وقتها أو ضيعوا ثوابها بعد الأداء بالنميمة والغيبة والكذب ونحوها أو شرعوا فيها بلا نية وقاموا لها بلا خضوع وخشوع ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ من شرب الخمر واستحلال نكاح الأخت من الأب والانهماك في فنون المعاصي.
وعن علي رضي الله عنه هم من بنى المشيد وركب المنظور ولبس المشهور وفي الحديث "أوحى الله إلى داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب أن تكون كلباً مثلهم فتجر معهم يا داود طيب الطعام ولين اللباس والصيت في الناس والجنة في الآخرة لا يجتمعان أبداً".