وفي "التأويلات النجمية" :﴿لَه مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ من التقدير الأزلي ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ من التدبير الأبدي ﴿وَمَا بَيْنَ ذَالِكَ﴾ من أزل إلى الأبد انتهى.
ونظيره قوله تعالى :﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ (البقرة : ٢٥٥) ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ (فر اموشكار يعنى ازحال تو آكاهست هركاه كه خواهد مارا بتوفرستد).
قال أهل التفسير فعيل بمعنى فاعل من النسيان بمعنى الترك أي : تاركاً لك كما زعمت الكفرة وإن تأخر عنك الوحي لمصلحة أو بمعنى نقيض الذكر الذي هو الغفلة أي : غافلاً عنك.
﴿رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي : هو مالكهما ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الخلق فكيف يجوز النسيان على الرب ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ أي : إذا كان هو الرب فأثبت على عبادته يا محمد والعبادة قيام العبد بما تعبد به وتكلف من امتثال الأوامر والنواهي.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿فَاعْبُدْهُ﴾ بجسدك ونفسك وقلبك وسرك وروحك فعبادة جسدك إياه بأركان الشريعة وهي الائتمار بما أمرك الله به والانتهاء عما نهاك الله عنه وعبادة نفسك بآداب الطريقة وهي ترك موافقة هواها ولزوم مخالفة هواها وعبادة القلب والإعراض عن الدنيا وما فيها والإقبال على الآخرة ومكارمها وعبادة السر خلوه عن تعلقات الكونين اتصالاً بالله تعالى ومحبة وعبادة الروح ببذل الوجود لنيل الشهود ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبَـادَتِهِ﴾ أي : اصبر لمشاقها ولا تحزن بإبطاء الوحي واستهزاء الكفرة وشماتتهم بك فإنه يراقبك ويراعيك ويلطف بك في الدنيا والآخرة.
وتعدية الاصطبار باللام لا بحرف الاستعلاء كما في قوله ﴿وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه : ١٣٢) لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما تورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمبارز اصطبر لقرنك أي : اثبت له فيما يورد عليك من شدائده وحملاته ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَه سَمِيًّا﴾ السمي الشريك في الاسم والمثل والشبيه أي : مثلاً يستحق أن يسمى إلهاً وإنما قيل للمثل سمي لأن كل متشاكلين يسمى كل واحد منهما باسم المثل والشبيه والنظير وكل واحد منهما سمي لصاحبه أو أحداً يسمي الله غيره فإن المشركين
٣٤٧
مع غلوهم في المكابرة لم يسموا الصنم بالجلالة أصلاً والمراد بإنكار العلم ونفيه إنكار المعلوم ونفيه أي : لا يكون ولم يكن ذلك.
قال الكاشفي :(يكى از آثار سطوت آلهي آن بودكه هي كس ازاهل شرك معبود خودرا الله نكفته اند عزت احديت وغيرت الوهيت اين اسم سامى را از تصرف كفار وتسميه ايشان در حصن حصين امان محفوظ داشت وزبان اهل ايمانرا در نعمت ومحنت وسرا وضرا بتكرر آن نام نامى جارى ساخت) :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٤
الله الله ه طرفه نامست اين
حرزدل وردجان تمامست اين
بس بود نزد صاحب معنى
حسبي الله كواه اين دعوى
روي أن بعض الجبابرة سمى نفسه بلفظ الجلالة فصهر ما في بطنه من دبره وهلك من ساعته وقال فرعون مصر للقبط أنا ربكم الأعلى ولم يقدر أن يقول أنا الله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما لا يسمى أحد الرحمن وغيره.
قال المولى الفناري في ترتيب أسماء البسملة : إن لاسم الجلالة اختصاصاً وضعياً واستعمالياً وللرحمن اختصاصاً استعمالياً وقولهم رحمن اليمامة لمسيلمة تعنت في كفرهم كما لو سموه الله مثلاً ولا اختصاص للرحيم قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لن نؤمن بالرحمن أبداً وقد عنوا بالرحمن مسيلمة الكذاب وقيل عنوا كاهناً كان لليهود باليمامة وقد رد الله عليهم بأن الرحمن المعلم له هو الله تعالى بقوله :﴿قُلْ هُوَ رَبِّى لا إله إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ (الرعد : ٣٠) أي : توبتي ورجوعي كما في "إنسان العيون" وتكره التسمية بالأسماء التي لا تليق إلا بالله تعالى كالرحمن والرحيم والإله والخالق والقدوس ونحوها قال الله تعالى :﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ (الرعد : ٣٣) قال بعض المفسرين قل سموهم بأسمائي ثم انظروا هل تليق بهم أي : لا تليق بهم وغير رسول الله صلى الله عليه وسلّم اسم العزيز لأن العزةوشعار العبد الذلة والاستكانة كما في "ابكار الأفكار".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٤