﴿وَيَقُولُ الانسَـانُ﴾ بطريق الإنكار والاستبعاد للبعث وهو أبي بن خلف حين فت عظماً بالياً فقال : يزعم محمد أنا نبعث بعدما نموت ونصير إلى هذه الحال ﴿أَءِذَا مَا مِتُّ﴾ وكنت رميماً ﴿لَسَوْفَ أُخْرَجُ﴾ من القبر حال كوني ﴿حَيًّا﴾ وبالفارسية (آياون بميرم من هر آينه زود بيرون شوم از خاك زنده يعني كونه تواند بودكه مرده زنده شود وازخاك بيرون آيد) تقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار لما أن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة وانتصابه بفعل دل عليه اخرج وهو البعث لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها لصدارتها وهي في الأصل للحال وههنا للتأكيد المجرد أي : لتأكيد معنى همزة الإنكار في أئذا ولذا جاز اقترانها بسوف الذي هو حرف الاستقبال.
وفي "التكملة" اللام في قوله تعالى :﴿لَسَوْفَ﴾ ليست للتأكيد فإنه منكر فكيف يحقق ما ينكر وإنما كلامه حكاية لكلام النبي عليه السلام كأنه صلى الله عليه وسلّم قال إن الإنسان إذا مات لسوف يخرج حياً فأنكر الكافر ذلك وحكي قوله فنزلت الآية على ذلك حكاه الجرجاني في كتاب "نظم القرآن".
قال في "بحر العلوم" لما كانت هذه اللام لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر وجب تقدير مبتدأ وخبر وأن يكون أصله لأنا سوف أخرج حياً وما في أئذا ما للتوكيد أيضاً وتكرير التوكيد إنكار
٣٤٨
على إنكار.
﴿أَوَلا يَذْكُرُ الانسَـانُ﴾ الهمزة للإنكار التوبيخي والواو لعطف الجملة المنفية على مقدر يدل عليه يقول.
والذكر في الأصل هو العلم بما قد علم من قبل ثم تخلله سهو وهم ما كانوا عالمين فالمراد به هنا التذكر والتفكر والمعنى أيقول ذلك ولا يتفكر ﴿أَنَّا خَلَقْنَـاهُ مِن قَبْلُ﴾ أي : من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه ﴿وَلَمْ يَكُ﴾ أصله لم يكن حذف النون تخفيفاً لكثرة الاستعمال أو تشبيهاً بحروف العلة في امتداد الصوت.
وقال الرضي : النون مشابه للواو في الغنة ﴿شَيْـاًا﴾ بل كان عدماً صرفاً فيعلم أن من قدر على الابتداء من غير مادة قدر على الإعادة بجمع المواد بعد تفريقها وفي هذا دليل على صحة القياس حيث أنكر عليه وجهله في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى فيستدل به على البعث والإعادة قيل لو اجتمع الخلق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٨
﴿فَوَرَبِّكَ﴾ الواو للقسم.
والمعنى بالفارسية (س بحق رورد توكه بوقت قيامت) ﴿لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ لنجمعه القائلين بالسوق إلى المحشر بعد ما أخرجناهم من الأرض أحياء ﴿وَالشَّيَـاطِينَ﴾ معهم وهم الذين أغووهم إذ كل كافر سيحشر مع شيطانه في سلسلة ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ﴾ حال كونهم ﴿جِثِيًّا﴾ جمع جاث من جثا يجثو ويجثي جثوا وجثياً فيهما جلس على ركبتيه كما في "القاموس" أي : جالسين على الركب لما يعرضهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما جثيا جماعات جمع جثوة وهي الجماعة واختاره في تفسير "الجلالين".
﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ﴾ لنخرجن قاله البغوي والنزع الجذب ﴿مِن كُلِّ شِيعَةٍ﴾ أمة وفرقة شاعت أي : نبعث غاوياً من الغواة ﴿أَيُّهُمْ﴾ موصول حذف صدر صلته منصوب بننزعن الذين هم أو استفهام مبتدأ خبره أشد فرفعه على الحكاية أي : لننزعن الذين يقال لهم أيهم ﴿أَشَدُّ﴾ (سختتر وبسيارتر) ﴿عَلَى الرَّحْمَـانِ﴾ (برخداى تعالى) ﴿عِتِيًّا﴾ (از جهت سركشى وجرأت يعني أول ازهر امتى آنراكه نافرمان تربوده جدا كنيم) يقال عتا على فلان إذا تجاوز الحد في الظلم والمقصود أنه يميز من كل طائفة منهم الأعصى فالأعصى فإذا اجتمعوا يطرح في النار على الترتيب.
قال في الكبير يحضرهم أولاً ثم يخص أشدهم تمرداً بعذاب أعظم إذ عذاب الضال المضل يجب أن يكون فوق عذاب من يضل تبعاً وليس عذاب من يورد الشبهة كعذاب من يقتدي به غافلاً قال الله تعالى :﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَـاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ (النحل : ٨٨) انتهى.
يقول الفقير في الآية تهديد عظيم لأبي المذكور وأنه أول منزوع من مشركي العرب لكونه أشد على الرحمن عتياً من جهة مقالته المذكورة.
واعلم أن أول الأمر البعث ثم الحشر ثم الإحضار ثم النزع ثم الإدخال في النار وهو قوله تعالى :
﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى﴾ (سزاوار ترند) ﴿بِهَا﴾ (بآتش دوزخ) ﴿صِلِيًّا﴾ دخولاً يعني (ميدانيم كه كيست سزاى انكه اورا نخست در آتش افكنند) وهم المنتزعون يقال صلى يصلي كلقي يلقي ومضى يمضي إذا دخل النار.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٨