﴿وَإِن مِّنكُمْ﴾ أي : وما منكم أيها الناس ﴿إِلا وَارِدُهَا﴾ أي : واصل جهنم وداخلها ﴿كَانَ﴾ أي : ورودهم إياها ﴿عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا﴾ مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمي به الموجب كقولهم خلق الله وضرب الأمير أي : أمراً محتوماً أوجبه الله على ذاته
٣٤٩
﴿مَّقْضِيًّا﴾ حتى أنه لا بد من وقوعه ألبتة.
﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا﴾ (س نجات دهيم آنانرا كه رهيز كردند از شرك يعنى بيرون آريم ازدوزخ) أحال الورود إلى الوارد وأحال النجاة إلى نفسه تعالى.
ففيه إشارة إلى أن كل وارد يرد بقدم الطبيعة في هاوية الهوى إن شاء وإن أبى ولو خلى إلى طبيعته لا ينجو منها أبداً ولكن ما نجا من نجا إلا بإنجاء الله تعالى إياه ﴿وَّنَذَرُ﴾ تترك ﴿الظَّـالِمِينَ﴾ لأنفسهم بالكفر والمعاصي ﴿فِيهَا﴾ في جهنم ﴿جِثِيًّا﴾ (بزانو در آمد كان) وهو إشارة إلى هوانهم وتقاعدهم عن الحركة إلى الجنة مع الناجين.
وفي تفسير "الجلالين" جثياً أي : جميعاً انتهى.
اعلم أن الوعيدية وهم المعتزلة قالوا : إن من دخلها لا يخرج منها وقالت المرجئة لا يدخلها مؤمن قط وقالوا أن الورود ههنا هو الحضور لا الدخول فأما أهل السنة فقالوا يجوز أن يعاقب الله العصاة من المؤمنين بالنار ثم يخرجهم منها.
وقالوا معنى الورود الدخول كقوله تعالى :﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ (هود : ٩٨) وقال تعالى ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ (الأنبياء : ٩٨) وبدليل قوله تعالى :﴿ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا﴾ والنجاة إنما تكون بعد الدخول فيها كقوله تعالى :﴿وَنَجَّيْنَـاهُ مِنَ الْغَمِّا وَكَذَالِكَ نُـاجِى الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإن قلت كيف يدخلونها والله تعالى يقول :﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾.
قلت : المراد به الإبعاد عن عذابها.
قال في "الأسئلة المقحمة" يجوز أن يدخلوها ولا يسمعوا حسيسها لأن الله تعالى يجعلها عليهم برداً وسلاماً كما جعلها على إبراهيم عليه السلام فالمؤمنون يمرون بجهنم وهي برد وسلام والكافرون وهي نار كما أن الكوز الواحد كان يشربه القبطي فيصير دماً والإسرائيلي فيكون ماء عذباً :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٩
مؤمن فسون ه داند بر آتشش بخواند
سوزش درو نماند كردد ونور روشن
وفي الحديث :"جز يا مؤمن فإن نورك قد أطفأ لهبي"، وفي "المثنوي" :
كويدش بكذر سبك اى محتشم
ورنه آتشهاى تومرد آتشم
فإن قلت إذا لم يكن في دخول المؤمنين عذاب فما الفائدة فيه؟ قلت وجوه :
الأول : أن يزيدهم سروراً إذا علموا الخلاص منه.
والثاني : يزيد غم أهل النار لظهور فضيحتهم عند المؤمنين والأولياء الذين كانوا يخوفونهم بالنار.
والثالث : يرون أعداءهم المؤمنين قد تخلصوا منها وهم يبقون فيها.
والرابع : أن المؤمنين إذا كانوا معهم فيها بكتوهم فيزداد غمهم.
والخامس : أن مشاهدة عذابهم توجب مزيد التذاذهم بنعيم الجنة.
يقول الفقير : لا شك عند أهل المعرفة أن جهنم صورة النفس الأمارة ففي الدنيا يرد كل من الأنبياء والأولياء والمؤمنين والكافرين هاوية الهوى بقدم الطبيعة لكن الأنبياء لكون نفوسهم من المطمئنة يجدونها خامدة وأما الأولياء فيردون عليها وهي ملتهبة ثم يجهدون إلى أن يطفئوها بنور الهدى ويلتحق بهم بعض المؤمنين وهم المعفو عنهم ولا يمر هؤلاء الطوائف الجليلة بالنار في الآخرة فلا يحترقون بها أصلاً وأما الكفار فلما كان كفرهم كبريت الهوى في الدنيا فلا جرم يدخلون النار في الآخرة وهي ملتهبة فيبقون هناك محترقين مخلدين ويلتحق بهم بعض العصاة وهم المعذبون لكنهم يخرجون منها بسبب نور تقواهم عن الشرك.
وقال ابن مسعود والحسن وقتادة ورودها الجواز على الصراط الممدود عليها وذلك لأنه لا طريق إلى الجنة سوى
٣٥٠


الصفحة التالية
Icon