وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن أهل الإنكار وأهل العزة بالله ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ﴾ من الحقائق والأسرار ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ستروا الحق بالإنكار والاستهزاء ﴿لِلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ من أهل التحقيق إذا رأوهم مرتاضين مجاهدين مع أنفسهم متحملين متواضعين متذللين متخاشعين وهم متنعمون متمولون متكبرون متبعوا شهوات أنفسهم ضاحكون مستبشرون ﴿أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ منا ومنكم ﴿خَيْرٌ مَّقَامًا﴾ منزلة ومرتبة في الدنيا ووجاهة عند الناس وتوسعاً في المعيشة ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ مجلساً ومنصباً وحكماً فقال تعالى في جوابهم ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ﴾ أي : أهلكناهم بحب الدنيا ونعيمها إذ أغرقناهم في بحر شهواتها واستيفاء لذاتها والتعزز بمناصبها ﴿هُمْ أَحْسَنُ أَثَـاثًا وَرِءْيًا﴾ استعداداً واستحقاقاً في الكمالات الدينية منكم كما قال عليه السلام :"خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية إذا فقهوا".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿قُلْ﴾ للمفتخرين بالمال والمنال ﴿مِنْ﴾ شرطية والمعنى بالفارسية (هركه) ﴿كَانَ﴾ مستقراً ﴿فِى الضَّلَـالَةِ﴾ (دركمر اهى ودر دوى ازراه حق) مغموراً بالجهل والغفلة عن عواقب الأمور ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَـانُ مَدًّا﴾ أي : يمد له بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة لقطع المعاذير أو للاستدراج واعتبار الاستقرار في الضلالة لما أن المد لا يكون إلا للمصرين عليها إذ رب ضال يهديه الله والتعرض لعنوان الرحمانية لما أن المد من أحكام الرحمة الدنيوية.
قال شيخي وسندي قدس سره في بعض تحريراته ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَـانُ مَدًّا﴾ أي : فليستدرجه الرحمن استدراجاً بمد عمره وتوسيع ماله وتكثير ولده أو فليمهله الرحمن إمهالاً بمد راحته على الطغيان وإيصال نعمته على وجه الإحسان حتى يقع في العقاب والعذاب على سبيل التدريج لا التعجيل فيكون عقابه وعذابه أكمل وأشمل أثراً وألماً لأن الأخذ على طريق التدريج والنعمة أشد منه على طريق التعجيل والنقمة مع أن مبدأ المد مطلقاً هو الرحمن دون القهار أو الجبار لأن كلاً منهما مبدأ الشدة ولذلك عبر به لا بغيره هذا هو الخاطر ببالي في وجه التعبير بالرحمن وإن كانت أشدية عقاب الرحمن وجهاً لكن وجه أشدية عقابه ما ذكرنا لأنه إذا أراد العقاب يأتي به على وجه الرحمة والنعمة فيكون كدراً بعد الصفاء وألما بعد الراحة وشدة بعد الرخاء فهذا أقوى أثراً والحاصل لا يتصور وقوع المد المذكور إلا من الرحمن لأنه أصله ومنشأه انتهى كلامه روح الله روحه ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ (تاوقتى كه ببينند آنه بيم كرده شده اند بدان) غاية للمد الممتد وجمع الضمير في الفعلين باعتبار معنى من كما أن الأفراد في الضميرين الأولين باعتبار لفظها
٣٥٢
﴿إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ تفصيل للموعود على سبيل البدل فإنه إما العذاب الدنيوي بغلبة المسلمين واستيلائهم عليهم وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسراً وإما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الحزن والنكال على طريقة منع الخلو دون الجمع فإن العذاب الأخروي لا ينفك عنهم بحال.
قال الإمام أي : لو فرض أن هذا الضال المتنعم قد مد له في أجله أليس أنه ينتهي إلى عذاب في الدنيا أو في الآخرة فسيعلم أن النعم لا تنفعه كما قال تعالى :﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ جواب الشرط والجملة محكية بعد حتى فإنها هي التي تحكي بعدها الجملة ولذا وقع بعد الجملة الشرطية أي : حتى إذا عاينوا ما يوعدون من العذاب الدنيوي أو الأخروي فقط فيسعلمون حينئذٍ ﴿مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا﴾ من الفريقين بأن يشاهدوا الأمر على عكس ما كانوا يقدرونه فيعلمون أنهم شر مكاناً لا خير مقاماً.
قال الكاشفي :(س بدانند آنرا كه بدترست از هر دو كروه ازجهت مكان جه جاى مؤمنان درجات جنان باشد ومأواى ايشان دركات نيران) :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٢
قال في "بحر العلوم" : جعلت الشرارة للمكان ليفيد إثباتها لأهله لأنه إذا ثبت الأمر في مكان الرجل فقد ثبت له كما في قولهم المجد بين ثوبيه والكرم بين برديه ﴿وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ أي : فئة وأنصاراً لا أحسن ندياً كما كانوا يدعونه.
قال في "تفسير الجلالين" وذلك أنهم إن قتلوا ونصر المؤمنون عليهم علموا أنهم أضعف جنداً ضعفاء كلا "ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً" وإنما ذكر ذلك رداً لما كانوا يزعمون أن لهم أعواناً من الأعيان وأنصاراً من الأخيار ويفتخرون بذلك في الأندية والمحافل.