﴿وَنَرِثُهُ﴾ بموته ﴿مَا يَقُولُ﴾ أي : مسمى ما يقول ومصداقه وهو ما أوتيه في الدنيا من المال والولد.
وفيه إيذان بأنه ليس لما يقوله مصداق موجود سوى ما ذكر أي : ننزع ما آتيناه كما في "الإرشاد".
وقال في "العيون" ما بدل من هاء نرثه بدل اشتمال أي : نهلكه ونورث ماله وولده غيره.
وقال الكاشفي :(وميراث ميكيريم آنه ميكويدكه فردا بمن خواهند داد يعني مال وفرزند) ﴿وَيَأْتِينَا﴾ يوم القيامة ﴿فَرْدًا﴾ وحيداً خالياً لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا فضلاً عن أن يؤتى ثمة زائداً.
وفي الآية إشارة إلى أن أهل الغرور يدعون الإحراز للفضيلتين المال والولد في الدنيا والنجاة والدرجات في الآخرة وينكرون على أهل التجرد في الإعراض عن الكسب واعتزال النساء والأولاد ولا يدرون أنهم يقعون بذلك في عذاب البعد إذ لا سند لهم أصلاً، قال الكمال الخجندي :
بشكن بت غروركه دردين عاشقان
يك بت كه بشكنند به ازصد عبادتست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٣
﴿وَاتَّخَذُوا﴾ أي : مشركوا قريش ﴿مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً﴾ أي : اتخذوا الأصنام آلهة
٣٥٤
متجاوزين الله تعالى ﴿لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا﴾ أي : ليتعززوا بهم بأن يكونوا لهم وصلة إليه تعالى وشفعاء عنده وأنصاراً ينجون بهم من عذاب ا لله تعالى.
قال بعضهم : كيف تظفر بالعز وأنت تطلبه في محل الذل ومكانه إذ ذللت نفسك بسؤال الخلق ولو كنت موفقاً لأعززت نفسك بسؤال الحق أو بذكره أو بالرضى لما يرد عليك منه فتكون عزيزاً في كل حال دنيا وآخرة.
﴿كَلا﴾ ليس الأمر على ما ظنوا ﴿سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ سينكر الكفرة حين شاهدوا سوء عاقبة كفرهم عبادتهم لهم ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ أعداء للآلهة كافرين بها بعد أن كانوا يحبونها كحب الله ويعبدونها.
وقال في تفسير الجلالين ﴿سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ أي : يجحدونها لأنهم كانوا جماداً لم يعرفوا أنهم يعبدون ويكونون عليهم ضداً أي : أعواناً وذلك أن الله تعالى يحشر آلهتهم فينطقهم ويركب فيهم العقول فتقول : يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك انتهى فالضمير في يكفرون ويكونون للآلهة.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَـاطِينَ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ أي : سلطناهم عليهم بسبب سوء اختيارهم حال كون تلك الشياطين ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ أي : تغريهم تهيجهم على المعاصي تهييجاً شديداً بأنواع الوساوس والتسويلات فإن الاز والهز والاستفزاز أخوات معناها شدة الازعاج.
وفي "العيون" الاز في الأصل هو الحركة مع صوت متصل من ازيز القدر أي : غليانه والمراد تعجيب رسول الله عليه السلام من أقاويل الكفرة وتماديهم في الغي والانهماك في الضلال والإفراد في العناد والإجماع على موافقة الحق بعد اتضاحه وتنبيه على أن جميع ذلك منهم باضلال الشياطين وإغوائهم لا لأن له مسوغاً في الجملة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٤
﴿فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ﴾ أي : بأن يهلكوا حسبما تقضيه جناياتهم حتى تستريح أنت والمؤمنون من شرورهم وتطهر الأرض من فسادهم يقال عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ﴾ أيام آجالهم ﴿عَدًّا﴾ أي : لا تعجل بهلاكهم فإنه لم يبق لهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة فيجازيهم بها.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا قرأها بكى وقال آخر العدد خروج نفسك آخر العدد فراق أهلك آخر العدد دخول قبرك.
وكان ابن السماك رحمه الله عند المأمون فقرأها فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد قال أعرابي : كيف تفرح بعمر تقطعه الساعات وسلامة بدن تعرض للآفات.
قال العلامة الزمخشري استغنم تنفس الأجل وإمكان العمل واقطع ذكر المعاذير والعلل فإنك ي أجل محدود وعمر ممدود.
قال المنصور لما حضرته الوفاة بعنا الآخرة بنومة قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : من حافظ على الأنفاس فالساعات في حكمه إلى ما فوق ذلك ومن كان وقته الساعات فأتته الأنفاس ومن كان وقته الأيام فأتته الساعات ومن كان وقته الجمعة فأتته الأيام ومن كان وقته الشهور فأتته الأسابيع ومن كان وقته السنون فأتته الشهور ومن كان وقته العمر فأتته السنون ومن فاته عمر لم يكن له وقت ولم تعد همته بهمة :
على نفسك فليبك من ضاع عمره†
ويطول الوقت ويقصر بحسب حضور صاحبه فمنهم من وقته ساعة ويوم وجمعة وشهر وسنة ومرة واحدة في عمره ومن الناس من لا وقت له لغلبة بهيميته عليه واستغراقه في الشهوات، قال المولى الجامي :
٣٥٥
هردم از عمر كرامى هست كنج بى بدل
ميرود كنج نين هر لحظه برباد آخ آخ
وقال :
عمر توكنج وهر نفس ازوى يكى كهر
كنجى نين لطيف مكن رايكان تلف
وقال الحافظ :
كارى كشيم ورنه خجالت بر آورد
روزيكه رخت جان بجهان دكر كشيم
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٤


الصفحة التالية
Icon