ـ وروي ـ عن بعض الصحابة أنه قال : كان بنو آدم لا يأتون شجرة إلا أصابوا منها منفعة حتى قالت فجرة بني آدم اتخذ الرحمن ولداً فاقشعرت الأرض وشاك الشجر ﴿وَتَخِرُّ الْجِبَالُ﴾ أي : تسقط وتتهدم ﴿هَدًّا﴾ مصدر مؤكد لمحذوف هو حال من الجبال أي : تهد هدا أي : تكسر كسرا يعني (اره اره كردد).
قال في "القاموس" الهدُّ : الهدم الشديد والكسر كالهدود.
والمعنى أن هول تلك الكلمة الشنعاء وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تطق بها هاتيك الأجرام العظام وتفتتت من شدتها أو أن فظاعتها في استجلاب الغضب واستيجاب السخط بحيث لولا حلمه تعالى على أهل الأرض وأنه لا يعالجهم بالعقاب لخرب العالم وبدد قوائمه غضباً على من تفوه بها.
﴿أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـانِ وَلَدًا﴾ منصوب على حذف اللام المتعلقة بتكاد أو مجرور بإضمارها أي : تكاد السموات تتفطرن والأرض تنشق والجال تخر لأن دعوا له سبحانه ولداً ودعوا من دعا بمعنى سمي المتعدي إلى المفعولين وقد اقتصر على ثانيهما ليتناول كل ما دعي له من عيسى وعزير والملائكة ونحوهم إذ لو قيل دعوا عيسى ولداً لما علم الحكم على العموم أو من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعه ادعى إلى فلان أي : انتسب إليه.
﴿وَمَا يَنابَغِى لِلرَّحْمَـانِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ حال من فاعل قالوا وينبغي مطاوع بغى إذا طلب أي : قالوه والحال أنه ما يليق به تعالى اتخاذ الولد ولا ينطلب له لو طلب مثلاً لاستحالته في نفسه وذلك لأن الولد بضعة من الوالد فهو مركب ولا بد للمركب من مؤلف فالمحتاج إلى المؤلف لا يصل أن يكون إلهاً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٧
﴿إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ أي : ما منهم أحد من الملائكة والثقلين فإن بمعنى النفي كما ولك مبتدأ خبره آتى ومن موصوفة لأنها وقعت بعد كل نكرة ﴿إِن كُلُّ مَن﴾ حال كونه ﴿عَبْدًا﴾ أي : إلا وهو مملوك يأوي إليه بالعبودية والانقياد.
وفي "العيون" : سيأتي جميع الخلائق يوم القيامة إلى الرحمن خاضعاً ذليلاً مقراً بالعبودية كالملائكة
٣٥٧
وعيسى وعزير وغيرهم يعني : يلتجئون إلى ربوبيته منقادين كما يفعل العبيد للملوك فلا يليق به اتخاذ الولد منهم انتهى.
قال أبو بكر الوراق رحمه الله : ما تقرب أحد إلى ربه بشيء ازين عليه من ملازمة العبودية وإظهار الافتقار لأن ملازمة العبودية تورث دوام الخدمة وإظهار الافتقار إليه يورث دوام الالتجاء والتضرع، قال الحافظ :
فقير وخسته بدركاهت آمدم رحمى
كه جزدعاى توام نيست هي دست آويز
﴿لَّقَدْ أَحْصَـاـاهُمْ﴾ أي : حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج منهم أحد من حيطة علمه وقبضة قدرته وملكوته مع إفراط كثرتهم ﴿وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾ أي : عد أشخاصهم وأنفاسهم وآجالهم.
﴿وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فَرْدًا﴾ أي : كل واحد منهم آت إياه تعالى منفرداً من الاتباع والأنصار فلا يجانسه شيء من ذلك ليتخذه ولداً ولا يناسبه ليشرك به وفي الحديث القدسي "كذبني ابن آدم" أي : نسبني إلى الكذب "ولم يكن له ذلك" يعني لم يكن التكذيب لائقاً به بل كان خطأ "وشتمني" الشتم وصف الغير بما فيه نقص وإزراء "ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني" يعني : لن يحييني الله بعد موتي كما خلقني وليس أول الخلق بأهون عليّ أي : بأسهل والخلق بمعنى المخلوق من إعادته أي : من إعادة المخلوق بل إعادته أسهل لوجود أصل البنية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٧


الصفحة التالية
Icon