في السماء والأرض وفيما بينهما من عالم الكون والفساد بالأمر الإلهي والإيجاد الأولى إنما تمت باستيفاء لوازمها واستكمال جوانبها واستجماع أركانها الأربعة المستوية في ظهور العرش بروحه وصورته وحركته الدورية لأنه لا بد في استواء تجليات الحق سبحانه في هذه العوالم بتجليه الحسي وأمره الإيجادي من الأمور الأربعة التي هي من هذه التجليات الحسية والإيجادية بمنزلة الشكل المستوي المشتمل على الحد الأصغر والأكبر والأوسط المكرر الكائن به السورة ذات الأركان الأربعة من النتيجة وتلك الأمور أربعة هي الحركة المعنوية الاسمائية والحركة النورية الروحانية والحركة الطبيعية المثالية والحركة الصورية الحسية وتلك الحركة الصورية الحسية هي حركة العرش وهي بمنزلة الحد الأكبر ولما استوى أمر تمام حصول الأركان الأربعة الموقوف عليها بتوقيف الله تعالى التجليات الإيجادية الأمرية المتنزلة بين السموات السبع والأرضين السبع بحسب مقتضيات استعدادات أهل العصر وموجب قابليات أصحاب الزمان في كل يوم بل في كل آن كما أشير إليه بقوله تعالى :﴿يَتَنَزَّلُ الامْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ (الطلاق : ١٢) وقوله تعالى :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾ (الرحمن : ٢٩) في العرش كان العرش مستوى الحق سبحانه بالاعتبار المذكور الثاني لا بالاعتبار المزبور الأول وفي الحقيقة بالنظر إلى هذا الاعتبار هو مستوى أمره الإيجادي لا مستوى نفسه وذاته فلا اضطراب ولا خلجان في الكلام والمقال والحال.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦١
ثم إن استواء الأمر الإرادي الإيجادي على العرش بمنزلة استواء الأمر التكليفي "الإرشاد"ي على الشرع فكما أن كل واحد من الأمرين قلب الآخر وعكسه المستوي السوي فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوي المستوي.
يقول الفقير قواه الله القدير لا شك أن بين زيد والعالم فرقاً من حيث أن الأول يدل على الذات المجردة والثاني على المتصفة بصفة العلم فإسناد الاستواء إلى عنوان الاسم الرحمن الذي يراد به صفة الرحمة العامة وإن كان مشتملاً على الذات دون الاسم الله الذي يراد به الذات وإن كان مستجمعاً لجميع الصفات ينادي بتنزه ذاته تعالى عن الاستواء وأن الذي استوى على العرش المحيط بجميع الأجسام هو الرحمة المحيطة بالكل ومن لم يفرق بين استواء الذات واستواء الصفة فقد أخطأ وذلك أن الله تعالى غني بذاته عن العالمين جميعاً متجل بصفاته وأسمائه في الأرواح والأجسام بحيث لا يرى في مرائي الأكوان إلا صور التجليات الأسمائية والصفاتية ولا يلزم من هذا التجلي أن تحل ذاته في كون من الأكوان إذ هو الآن على ما كان عليه قبل من التوحد والتجرد والتفرد والتقدس ولذا كان أعلى المراتب الوصول إلى عالم الحقيقة المطلقة إطلاقاً ذاتياً كما أشار إليه قوله تعالى :﴿لا يَمَسُّه إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة : ٧٩) وفي الحديث "إن الله احتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم" ذكره في "الروضة" فهذا يدل على أن الله تعالى ليس في السماء ولا في الأرض ولو كان لانقطع الطلب وأما قوله عليه السلام :"يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض فما علامة غضبك من رضاك قال إذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاي عنكم وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي عليكم" على ما ذكره الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في "كتاب المسامرة".
وقوله
٣٦٤
عليه السلام لجارية معاوية بن الحكم السلمي :"أين الله" فقالت : في السماء فقال :"من أنا" فقالت : أنت رسول الله فقال :"أعتقها فإنها مؤمنة" ونحو ذلك من الأخبار الدالة على ثبوت المكان له تعالى فمصروفة عن ظواهرها محمولة على محل ظهور آثار صفاته العليا ولذا خص السماء بالذكر لأنها مهبط الأنوار ومحل النوازل والأحكام ومن هذا ظهر أن من قال : إن الله في السماء عالم إن أراد به المكان كفر وإن أراد به الحكاية عما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر لأنها مؤولة والأذهان السليمة والعقول المستقيمة لا تفهم بحسب السليقة من مثل هذه التشبيهات إلا عين التنزيه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦١