ـ روي ـ أن موسى عليه السلام تزوج صفوراء وقال السهيلي صفورياء بنت شعيب عليه السلام فاستأذن منه في الخروج من مدين لزيارة أمه وأخيه هارون في مصر فخرج بأهله وأخذ على غير الطريق خوفاً من ملوك الشام فلما أتى وادي طوى وهو بالجانب الغربي من الطور ولد له ولد في ليلة مظلمة ذات برد وشتاء وثلج وكانت ليلة الجمعة فقدح زنده فصلد أي : صوّت ولم يخرج ناراً وقيل كان موسى رجلاً غيوراً يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه لئلا يروا امرأته فلذا أخطأ الرفقة والطريق فبينما هو في ذلك إذ رأى ناراً من بعيد على يسار الطريق من جانب الطور فظن أنها من نيران الرعاة ﴿فَقَالَ لاهْلِهِ﴾ لامرأته وولده وخادمه فإن الأهل يفسر بالأزواج والأولاد والعبيد والإماء وبالأقارب وبالأصحاب وبالمجموع كما في"شرح المشارق" لابن ملك ﴿امْكُثُوا﴾ أقيموا مكانكم ولا تتبعوني ﴿إِذْ رَءَا نَارًا﴾ الإيناس الأبصار البين الذي لا شبهة فيه ومنه إنسان العين لأنه يبين به الشيء والانس لظهورهم كما قيل الجن لاستتارهم أي : أبصرتها إبصاراً بيناً لا شبهة فيه فأذهب إليها ﴿إِذْ رَءَا نَارًا﴾ راجياً أن أجيئكم من النار ﴿بِقَبَسٍ﴾ بشعلة من النار أي : بشيء فيه لهب مقتبس من معظم النار وهي المرادة بالجذوة في سورة القصص وبالشهاب القبس في سورة النمل يقال قبست منه نارا في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما لم يقطع بأن يقول إني آتيكم لئلا يعد ما لم يتيقن الوفاء به انظر كيف احترز موسى عن شائبة الكذب قبل نبوته فإنه حينئذٍ لم يكن مبعوثاً.
قال أكثر المفسرين : إن الذي رآه موسى لم يكن ناراً بل كان نور الرب تعالى ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً.
وقال الإمام الصحيح أنه رأى ناراً ليكون صادقاً في خبره إذ الكذب لا يجوز على الأنبياء انتهى.
قال بعض الكبار لما كانت النار بغية موسى تجلى الله له في صورة مطلوبة المجازي ليقبل عليه ولا يعرض عنه فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبة أعرض عنه لاجتماع ما تجلى فيه :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٨
كنار موسى يراها عين حاجته
وهو الاله ولكن ليس يدريه
أي : ليس يعرف الاله المتجلي في صورة النور والمتكلم فيها ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ هادياً يدلني على الطريق لأن النار قلما تخلو من أهل لها وناس عندها على أنه مصدر سمي به الفاعل مبالغة أو حذف منه المضاف أي : ذا هداية كقوله في سورة القصص ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِه ءَانَسَ مِن﴾ (القصص : ٢٨) وكلمة أو في الموضعين لمنع الخلو دون منع الجمع ومعنى الاستعلاء في على أن أهل النار يكتنفونها عند الاصطلاء قياماً وقعوداً فيشرفون عليها.
﴿فَلَمَّآ أَتَـاـاهَا﴾ أي : انتهى إلى النار التي آنسها قال ابن عباس رضي الله عنه : رأى شجرة خضراء أحاطت بها من أسفلها إلى أعلاها نار بيضاء تتقد كأضوء ما يكون ولم ير هناك أحداً فوقف متعجباً من شدة ضوء تلك النار وشدة خضرة تلك الشجرة فلا النار تغير خضرتها ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوء النار فسمع تسبيح الملائكة ورأى نوراً عظيماً تكل الأبصار عنه فوضع يديه على عينيه وخاف وبهت فألقيت عليه السكينة والطمأنينة ثم نودي وكانت الشجرة سمرة خضراء أو عوسجة أو عليقاً أو شجرة العناب وهي شجرة لا نار فيها بخلاف غيرها من الأشجار.
قالوا : النار أربعة أصناف : صنف يأكل ولا يشرب وهي نار الدنيا، وصنف يشرب ولا يأكل وهي نار الشجر الأخضر، وصنف يأكل
٣٦٩
ويشرب وهي نار جنهم، وصنف لا يأكل ولا يشرب وهي نار موسى.
وقالوا أيضاً هي أربعة أنواع : نوع له إحراق بلا نور وهي نار الحجيم، ونوع له نور بلا إحراق وهي نار موسى، ونوع له إحراق ونور وهي نار الدنيا، ونوع ليس له إحراق ولا نور وهي نار الأشجار.
يقول الفقير : النور للمحبة والنار للعشق وعندما كمل وامتلأ نور محبة موسى وتم واشتعل نار عشقه وشوقه تجلى الله له بصورة ما في بطنه وذلك لأنه لما ولد له ولد القلب الذي هو طفل خليفة الله في أرض الوجود في ليلة شاتية هي ليلة الجلال ظهر له نور ذاتي في صورة نار صفاتية لأن الصورة إنما هي للصفات واحترق جميع أنانيته وحصل له التوجه الوحداني فعند ذلك ﴿نُودِىَ﴾ فقيل : يا مُوسَى} ﴿إِنِّى أَنَا﴾ للتوكيد والتحقق يعني (شك مكن ومتيقن شوكه من) ﴿رَبِّكَ﴾ (بروردكار توام) ﴿فَاخْلَعْ﴾ (س بيرون كن وبيكفن ازاى خود) ﴿نَعْلَيْكَ﴾ أمر بذلك لأن الحفوة أدخل في التواضع وحسن الأدب ولذلك كان بشر الحافي ونحوه يسيرون حفاة وكان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٨
كنجى كه زمين وآسمان طالب اوست
ون درنكرى برهنه ايان دارند