﴿قَالَ﴾ موسى ﴿هِىَ عَصَاىَ﴾ نسبها إلى نفسه تحقيقاً لوجه كونها بيمينه وتمهيداً لما يعقبه من الأفاعيل المنسوبة إليه عليه السلام ﴿أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا﴾ أي : اعتمد عليها عند الإعياء في الطريق وحال المشي وحين الوقوف على رأس القطيع في المرعى ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى﴾ الهش (بيفشاندن برك ازدرخت) يقال هش الورق يهشه ويهشه خبطه بعصا ليتحات أي : ضربه ضرباً شديداً ليسقط.
والمعنى أخبط بها الورق وأسقطه على رؤوس غنمي لتأكله.
وبالفارسية (وفروميريزم برك ازدر ختها) ﴿قَالَ هِىَ عَصَاىَ﴾ جمع مأربة بفتح الراء وضمها وهي الحاجة ﴿أُخْرَى﴾ لم يقل آخر لرعاية الفاصلة أي : حاجات أخر غير التوكي والهش وهي أنه إذا سار ألقاها على عاتقه وعلق بها قوسه وكنانته وحلابه ومطهرته وحمل عليها زاده وتحدثه.
يعني (درراه باموسى سخن كفتى) وكان لها شعبتان ومحجن فإذا طال الغصن حناه بالمحجن وإذا حاول كسره لواه بالشعبتين وفي أسفلها سنان ويركزها فيخرج الماء وتحمل أي : ثمرة أحب وربما يدليها في البئر وتصير شعبتاها كالدلو فيخرج الماء وإذا قصر الرشاء وصله بها وتضيىء بالليل كالشمع وتحارب عنه.
يعني :(بادشمن وى حرب كردى) وإذا تعرضت لغنمه السباع قاتل بها وتطرد الهوام في النوم واليقظة ويستظل بها إذا كان قعد يعني إذا كان في البرية ركزها وألقى كساءه عليها فكان ظلاً وكانت اثني عشر ذراعاً بذراعه عليه السلام من عود آس من شجر الجنة استودعها عند شعيب ملك من الملائكة في صورة إنسان.
وقال الكاشفي :(آن عصا ازوب مرد بهشت بود طول اوده كز وسراو دوشاخه ودر زيراو سناني نشانده نامش عليق بود يانيعه از آدم ميراث بشعيب رسيده بود وازو بموسى رسيد) وفي العصا إشارة إلى أن الأنبياء عليهم السلام رعاة الخلق والخلق مثل البهائم محتاجون إلى الرعي والكلاءة من ذئاب الشياطين وأسد النفس فلا بد من العمل بإرشادهم والوقوف بالخدمة عند باب دارهم، قال الحافظ :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٢
شبان وادى ايمن كهى رسد بمراد
كه ند سال بجان خدمت شعيب كند
قال بعض أهل المعرفة لما كانت العصا صورة النفس المطمئنة المفنية للموهومات والمتخيلات لأن صورة الحية تستعد للإيمان كما ظهر بعض الجن بالمدينة في صورة الحية ونهوا عن قتلها كما ذكر في "الصحاح" لذلك قال موسى عليه السلام :﴿قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا﴾ أي : أستعين بها على مطالبي في السر ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى﴾ أي : على رعايا أعضائي وحواسي وعلى ما تحت يدي من القوى الطبيعية والبدنية ﴿قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا﴾ أي : مقاصد لا تحصل إلا بها من الكمالات المكتسبة بالمجاهدات البدنية والرياضات النفسة فإذا جاهدت وارتاضت وأنابت إلى ربها انقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي : حسنة كما قال تعالى في صفة التائبين ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ﴾ (الفرقان : ٧٠).
فإن قيل السؤال للاستعلام وهو محال على العلام فما الفائدة فيه قلنا فائدته أن من أراد أن يظهر من الحقير شيئاً نفيساً يعرضه أولاً على الحاضرين ويقول ما هذا فيقال فلان
٣٧٣
ثم إنه يظهر صنعه الفائق فيه فيقول لهم : خذوا منه كذا وكذا كما يريك الزراد زبرة من حديد ويقول لك ما هي فتقول زبرة حديد ثم يريك بعد أيام لبوساً مسرداً فيقول لك هي تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنع وأنيق السرد فالله تعالى لما أراد أن يظهر من العصا تلك الآيات الشريفة عرضها أولاً عليه فقال : هل حقيقة ما في يدك إلا خشبة لا تضر ولا تنفع ثم قلبها ثعباناً عظيماً فنبه به على كمال قدرته ونهاية حكمته.
قال الكاشفي :(استفهام متضمن تنبيه است يعني حاضر شو تا عجايب بيني).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٢


الصفحة التالية
Icon