وقال في "التأويلات النجمية" : إنما امتحن موسى بهذا السؤال تنبيهاً له ليعلم أن للعصا عند الله اسماً آخر وحقيقة أخرى غير ما علمه منها فيحيل علمها إلى تعالى فيقول : أنت أعلم بها يا رب لما اتكل على علم نفسه وقال هي عصاي فكأنه قيل له أخطأت في هذا الجواب خطأين أحدهما في التسمية بالعصا والثاني في إضافتها إلى نفسك وهو ثعباني لا عصاك.
فإن قيل هذا سؤال من الله مع موسى ولم يحصل لمحمد عليه السلام.
قلنا خاطبه أيضاً في قوله :﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِه مَآ أَوْحَى﴾ (النجم : ١٠) إلا أنه ما أفشاه وكان سراً لم يؤهل له أحداً من الخلق وأيضاً فإن دار الكلام بينه وبين موسى فأمة محمد يخاطبونه في كل يوم مرات على ما قاله عليه السلام :"المصلي يناجي ربه" وقال بعضهم : فهم موسى أن هذا السؤال ليس للاستعلام لأنه تعالى منزه عن ذلك بل للتذكر واستحضار حقيقتها وما يعلم من منافعها ولذا زاد في الجواب.
وقال الكاشفي :(جواب داد وجهت تعداد نعم رباني برآن افزود) وقال بعضهم : سأل الله عما في يده للتقرير على أنها عصا حتى لا يخاف إذا صارت ثعباناً ويعلم أنها معجزة عظيمة لإزالة الوحشة عن موسى ولذا كرر يا موسى يعني : ليحصل زيادة الانبساط والاستئناس وإزالة تلك الهيبة والدهشة الحاصرة من استماع ذلك الكلام الذي لم يشبه كلام الخلق مع مشاهدة تلك النار وتلك الشجرة وسمع تسبيح الملائكة ومن ثمة لما زالت بذلك اطنب في الجواب قال نبينا عليه السلام : قلت أي : ليلة المعراج : اللهم إنه لما لحقني استيحاش سمعت منادياً ينادي بلغة تشبه لغة أبي بكر رضي الله عنه فقال لي : قف فإن ربك يصلي فعجبت من هاتين هل سبقني أبو بكر إلى هذا المقام وإن ربي لغني عن أن يصلي فقال تعالى : أنا الغني عن أن أصلي لأحد وإنما أقول سبحاني سبحاني سبقت رحمتي على غضبي أقرأ يا محمد هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً فصلاتي رحمة لك ولأمتك وأما أمر صاحبك يا محمد فإن أخاك موسى كان أنسه بالعصا فلما أردنا كلامه قلنا وما تلك بيمينك يا موسى قال : هي عصاي وشغل بذكر العصا على عظيم الهيبة وكذلك أنت يا محمد لما كان أنسك بصاحبك أبي بكر خلقنا ملكاً على صورته ينادي بلغته ليزول عنك الاستيحاش لما يلحقك من عظيم الهيبة كذا في "إنسان العيون".
وذكر الراغب الأصفهاني في "المحاضرات" إنه قال الإمام الشاذلي قدس سره صاحب الحزب البحر اضطجعت في المسجد الأقصى فرأيت في المنام قد نصب تحت خارج الأقصى في وسط الحرم فدخل خلق كثير أفواجاً أفواجاً فقلت : ما هذا الجمع فقالوا : جمع الأنبياء والرسل عليهم السلام قد حضروا ليشفعوا في حسين الحلاج عند محمد عليه السلام في إساءة أدب وقعت منه فنظرت إلى التخت
٣٧٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٢
فإذا نبينا صلى الله عليه وسلّم جالس عليه بانفراده وجميع الأنبياء على الأرض جالسون مثل إبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم السلام فوقفت أنظر وأسمع كلامهم فخاطب موسى نبينا عليه السلام وقال له : إنك قد قلت :"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" فأرنا منهم واحداً فقال : هذا وأشار إلى الإمام الغزالي قدس سره فسأله موسى سؤالاً فأجابه بعشرة أجوبة فاعترض عليه موسى بأن الجواب ينبغي أن يطابق السؤال والسؤال واحد والجواب عشرة فقال الإمام : هذا اعتراض وارد عليك أيضاً حين سئلت ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾ وكان الجواب عصاي فأوردت صفات كثيرة فقال : فبينما أنا متفكر في جلالة قدر محمد عليه السلام وكونه جالساً على التخت بانفراده والخليل والكليم والروح جالسون على الأرض إذ رفسني شخص برجله رفسة مزعجة أي : ضربني فانتبهت فإذا بقيم يشعل قناديل الأقصى قال : لا تعجب فإن الكل خلقوا من نوره فخررت مغشياً فلما أقاموا الصلاة أفقت وطلبت القيم فلم أجده إلى يومي هذا ومن هذا قال في قصيدة البردة :
وانسب إلى ذاته ما ئشت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
وقال آخر :
سر خيل انبيا وسيهدار اتقيا
سلطان باركاه دنا قائد امم
﴿قَالَ﴾ الله تعالى اشتئناف بياني ﴿أَلْقِهَا يا مُوسَى﴾ اطرحها لترى من شأنها ما لم يخطر ببالك والالقاء والنبذ والطرح بمعنى واحد.
على الأرض.
قال الكاشفي :(موسى كمان بردكه اورانيزون نعلين مى بايد افكند س بيفكند آنرا ازقفاى خود في الحال آوازى عظيم بكوش وى رسيد بازنكريست) ﴿فَإِذَا هِىَ﴾ (س ازآنجا آن عصا) ﴿حَيَّةٌ﴾ (مارى بود) ﴿تَسْعَى﴾ (مى شتافد بهر جانب) والسعي المشي بسرعة وخفة حركة والجملة صفة لحية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٢