﴿مِنْ غَيْرِ سُواءٍ﴾ حال من الضمير في بيضاء أي : كائنة من غير عيب وقبح كنى به عن البرص كما كنى بالسوءة عن العورة لما أن الطباع تعافه وتنفر عنه.
ـ روي ـ أن موسى عليه السلام كان أسمر اللون فإذا أدخل يده اليمنى تحت إبطه الأيسر وأخرجها كان عليها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر ويسد الأفق ثم إذا ردها إلى جنبه صارت إلى لونها الأول بلا نور وبريق ﴿أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَـاتِنَا الْكُبْرَى﴾ أي : معجزة أخرى غير العصا وانتصابها على الحالية من الضمير في بيضاء.
﴿لِنُرِيَكَ﴾ أي : فعلنا ما فعلنا من قلب العصا حية وجعل اليد بيضاء لنريك بهاتين الآيتين ﴿مِنْ ءَايَـاتِنَا الْكُبْرَى﴾ أي : بعض آياتنا الكبرى فكل من العصا واليد من الآيات الكبرى وهي تسع كما قال تعالى :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَـاتٍ بَيِّنَـاتٍ﴾ (الإسراء : ١٠١) وقد سبق بيانها ونظير الآية قوله تعالى في حق نبينا عليه السلام ﴿لَقَدْ رَأَى﴾ أي : محمد ليلة المعراج ﴿مِنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم : ١٨) والفرق بين آيات موسى وآيات نبينا عليهما السلام أن آيات موسى عجائب الأرض فقط وآيات نبينا عجائب السموات والأرض كما لا يخفى هذا هو اللائح في هذا المقام فاعرفه.
واعلم أن موسى عليه السلام أدخل يده في جيبه فأخرجها بيضاء من غير سوء وهذا من كرامات اليد بعد التحقق بحقيقة الجود والكرم والسخاء والإيثار فالجود عطاؤك ابتداء قبل السوء والكرم عطاؤك ما أنت محتاج إليه وبالعطاء صحت الخلة.
ـ روي ـ أن الله تعالى أرسل إلى إبراهيم جبريل عليهما السلام على صورة شخص فقال له : يا إبراهيم أراك تعطي الأوداء والأعداء فقال : تعلمت الكرم من ربي رأيته لا يضيعهم فأنا لا أضيعهم فأوحى الله إليه أن يا إبراهيم أنت خليلي حقاً.
ومن كرامات اليد ما روي أن نبينا عليه السلام نبع الماء من بين أصابعه في غزوة تبوك حتى شرب منه ورفعه خلق كثير ورمى التراب في وجوه الأعداء فانهزموا وسبح الحصى في يده، قال العطار قدس سره :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٦
داعي ذرات بود آن اك ذات
در كفش تسبيح ازان كفتى حصات
وقبض من شاء من الأولياء في الهواء فيفتح يده عن فضة أو ذهب إلى أمثال هذا فإذا سمعت هذا عرفت أن كل كمال يظهر في النوع الإنسان فهو أثر عمل من الأعمال أو حال من الأحوال فبين كل شيئين إما مناسبة ظاهرة أو باطنة إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصرف الأعضاء والقوى إلى ما خلقت هي لأجله ويفيض علينا فضله بسجله.
﴿اذْهَبْ﴾ يا موسى بطريق الدعوة والتحذير ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ وملئه بهاتين الآيتين العصا واليد لقوله تعالى في سورة القصص ﴿فَذَانِكَ بُرْهَـانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلايْهِ﴾ (القصص : ٣٢) وأما قوله تعالى :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـاَايَـاتِى﴾ (طه : ٤٢) فسيأتي معنى الجمع فيه إن شاء الله تعالى ﴿إِنَّه طَغَى﴾ أي : جاوز حد العبودية بدعوى الربوبية استقلالاً لا اشتراكاً كما قال :﴿أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى﴾.
وفيه إشارة إلى معنيين :
أحدهما : أن السالك الصادق إذا بلغ مرتبة كماله يقيضه الله لدلالة عباده وتربيتهم.
والثاني : أن كمال البالغين في أن يرجعوا إلى الخلق ومخالطتهم والصبر على أذاهم ليختبروا بذلك حلمهم وعفوهم.
فإن قيل لم أرسله الله بالعصا؟ قلنا : لأن العصا من آلات الرعاة وموسى عليه السلام كان راعياً فأرسله الله مع آلته وأيضاً كان فرعون بمنزلة
٣٧٧
الحمار فاحتاج إلى العصا والضرب، وفي "المثنوي" :
كرترا عقلست كردم لطفها
وزخرى آورده ام خررا عصا
آننان زين آخرت بيرون كنم
كز عصا كوش وسرت رخون كنم
اندرين آخر خران ومردمان
مى نيابند از خفاى تو امان
يك عصا آورده ام بهر ادب
هر خرى را كونباشد مستحب
ازدهائى ميشود در قهر تو
كاتردهائى كشته در فعل وخو
ازدهائى كوهى تو بى امان
ليك بنكر ازدهاى آسمان
اين عصا ازدوزخ آمد اشنى
كه هلا بكريز اندر روشنى
ورنه درمانى تو دردندان من
مخلصت نبود زدربندان من
اين عصائى بود اين دم ازدهاست
تانكوشى دوزخ يزدان كجاست
هركجا خواهد خدا دوزخ كند
اوج را برموغ دام وفخ كند
هم زدندانت برآيد دردها
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٦
تابكوئى دوز خست وادها
يا كند آب دهانت را عسل
كه بكوئى كه بهشست وحلل
ازبن دندان برو ياند شكر
تابدانى قوت حكم قدر
س بدندان بى كنهانرا مكز
فكركن ازضربت نا محترز
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٦