﴿قَالَ﴾ موسى مستعيناً بالله لما علم أنه حمل ثقيل وتكليف عظيم، يعني :(باخود انديشيدكه من ننها بافرعون ولشكر اوكونه مقاومت نوانم كرد س ازخدا تقويت طلبيده آغاز ودعا كرد وازروى نياز كفت) ﴿رَبِّ﴾ (اى روردكار من) ﴿اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ (كشاده كردان براى من سينه مرا) والمراد بالصدر هنا القلب لا العضو الذي فيه القلب أي : وسع قلبي حتى لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاجهم ولا يخاف من شوكتهم وكثرتهم.
واعلم أن شرح الصدر من نعم الله تعالى على الأنبياء وكمل الأولياء وقد أخذ منه نبينا عليه السلام الحظ الأوفى لأنه حصل له بصورته ومعناه إذ شق صدره في صباوته وألقي عنه العلقة التي هي حظ الشيطان ومغمزه وغسل في طست من الذهب وأيضاً في البلوغ إلى الأربعين لينشرح لتحمل أثقال الرسالة وفي المعراج ليتسع لأسرار الحق تعالى فجاء حاملاً للأوصاف الجليلة التي لا توصف من الحلم والعفو والصبر والكف واللطف والدعاء والنصيحة إلى غير ذلك.
﴿وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى﴾ سهل علي أمر التبليغ بإحداث الأسباب ورفع الموانع.
﴿وَاحْلُلْ﴾ وافتح، وبالفارسية (وبكشاى) ﴿عُقْدَةً﴾ لكنة، وبالفارسية (كرهى را) ﴿مِّن لِّسَانِى﴾ متعلق بالفعل وتنكير عقدة يدل على قلتها في نفسها قالوا ما الإنسان لولا اللسان الابهمية مرسلة أو صورة ممثلة والمرؤ بأصغريه قلبه ولسانه.
﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ أي : يفهم هو وقومه كلامي عند تبليغ الرسالة فإنما يحسن التبليغ من البليغ وكان في لسانه رتة، وبالفارسية (يستكى زبان) من جمرة أدخلها فاه وذلك أن فرعون حمله يوماً فأخذ لحيته ونتفها لما كانت مرصعة بالجواهر فغضب وقال إن هذا عدوي
٣٧٨
المطلوب وأمر بقتله فقالت آسية زوجته : أيها الملك إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت فاحضرا بين يدي موسى بأن جعل الجمر في طست والياقوت في آخر فقصد إلى أخذ الجوهر فأمال جبرائيل يده إلى الجمر فرفعه إلى فيه فاحترق لسانه فكانت منه لكنة وعجمة وإلى هذه القصة أشار العطار قدس سره بقوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٨
همو موسى اين زمان در طست آتش مانده ايم
طفل فرعونيم ما كان ودهان راخكرست
ولعل تبيض يده لما كانت آلة لأخذ الجمر واللحية والنتف.
فإن قيل لم احترق لسان موسى ولم يحترق أصابعه حين قبض على الجمر عند امتحان فرعون؟ قلنا ليكون معجزة بعد رجوعه إلى فرعون بالدعوة لأنه شاهد احتراقه عنده فيكون دليلاً على إعجازه كأنه يقول الكليم أخرجني الله من عندك يا فرعون مغلولاً ذا عقدة ثم ردني إليك فصيحاً متكلماً وأورثني ذلك ابتلاء من ربي حال كوني صغيراً أن جعلني كليماً مع حضرته حال كوني كبيراً وأورث تناول يدي إلى النار آية نيرة بيضاء كشعلة النار في أعينكم فكل بلاء حسن.
قال في "الأسئلة المقحمة" : لما دعا موسى بهذا الدعاء هل انحلت أي : كما يدل عليه قوله قال : قد أوتيت سؤلك فلماذا قال وأخي هارون هو أفصح مني لساناً وقال فرعون فيه ولا يكاد يبين؟ الجواب : يجوز أن يكون هارون هو أفصح منه مع زوالها وقول فرعون تكلم به على وجه المعاندة والاستصغار كما يقول المعاند لخصمه : لا تقول شيئاً ولا تدري ما تقول وقالوا لشعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وقالوا لهود ما جئتنا بينة ولنبينا عليه السلام قلوبنا في أكنة انتهى وإلى هذا التأويل جنح المولى أبو السعود في "الإرشاد".
﴿وَاجْعَل لِّى وَزِيرًا﴾ الوزير حباء الملك أي : جليسه وخاصته الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه كما في "القاموس" فاشتقاقه من الوزر بالكسر الذي هو الثقل لأنه يحمل الثقل عن أميره أو من الوزر محركة وهو الملجأ والمعتصم لأن الأمير يعتصم برأيه ويلجأ إليه في أموره والمعنى واجعل لي موازراً يعاونني في تحمل أعباء ما كلفته ﴿مِّنْ أَهْلِى﴾ من خواصي وأقربائي فإن الأهل خاصة الشيء ينسب إليه ومنه قوله تعالى :﴿إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى﴾ وأهل الله خاصته كما في الحديث "إنأهلين من الناس أهل القرآن وهم أهل الله" كما في "المقاصد الحسنة" وهو صفة لوزير أو صلة لأجعل.
﴿هَـارُونَ﴾ مفعول أول لأجعل قدم عليه الثاني وهو وزيراً للعناية به لأن مقصوده الأهم طلب الوزير ﴿أَخِى﴾ بدل من هارون.
﴿اشْدُدْ بِه أَزْرِى﴾ الأزر القوة والظهر أي : أحكم به قوتي أو قوّ به ظهري.


الصفحة التالية
Icon