﴿وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى﴾ واجعله شريكي في أمر الرسالة حتى نتعاون على أدائها كما ينبغي.
فإن قيل كيف سأل لأخيه النبوة؟ فإنما هي باختيار الله تعالى كما قال :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ قلت إن في إجابة الله دليلاً على أن سؤاله كان بإذن الله والهاماً منه ولما كان التعاون في الدين درجة عظيمة طلب أن لا يحصل إلا لأخيه.
وفيه إشارة إلى أن صحبة الأخيار وموازرتهم مرغوب للأنبياء فضلاً عن غيرهم ولا ينبغي أن يكون المرؤ مستبداً برأيه مغروراً بقوته وشوكته وينبغي أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويجوز لنفسه الشريك في أمور المناصب ولا تقدح وزارة هارون في نبوته وقد كان أكثر أنبياء بني إسرائيل كذلك أي : كان أحدهم موازراً ومعيناً للآخر في تبليغ الرسالة وكان هارون بمصر
٣٧٩
حين بعث موسى نبياً بالشام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٨
﴿كَىْ﴾ غاية للأدعية الثلاثة الأخيرة، والمعنى بالفارسية (تا) ﴿نُسَبِّحَكَ﴾ تسبيحاً ﴿كَثِيرًا﴾ أي : ننزهك عما لا يليق بك من الأفعال والصفات التي من جملتها ما يدعيه فرعون ﴿وَنَذْكُرَكَ﴾ ذكراً ﴿كَثِيرًا﴾ أي : على كل حال ونصفك بما يليق بك من صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال فإن التعاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخير وتزايره.
قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن للجليس الصالح والصديق الصديق أثراً عظيماً في المعاونة على كثرة الطاعة والموافقة والمرافقة في اقتحام عقبات السلوك وقطع مفاوزه، قال الحافظ :
دريغ ودردكه تا اين زمان ندانستم
كه كيمياى سعادت رفيق بود رفيق
﴿إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ الباء متعلقة ببصيراً قدمت عليه لرعاية الفواصل أي : عالماً بأحوالنا وإن التعاون يصلحنا وإن هارون نعم الوزير والمعين لي فيما أمرتني به فإنه أكبر مني سناً وأفصح لساناً وكان أكبر من موسى بأربع سنين أو بسنة على الاختلاف الروايات.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٨
﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى﴾ مسئولك ومطلوبك فعل بمعنى مفعول كالخبز بممعنى المخبوز والإيتاء عبارة عن تعلق آرادته تعالى بوقوع تلك المطالب وحصولها له.
قال داود القيصري قدس سره : ومن جملة كمالات الأقطاب ومنن الله عليهم ألاّ يبتليهم بصحبة الجهلاء بل يرزقهم صحبة العلماء الأدباء الأمناء يحملون عنهم أثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم انتهى وذلك كما كان آصف بن برخيا وزيراً لسليمان عليه السلام الذي كان قطب وقته ومتصرفاً وخليفة على العالم فظهر عنه ما ظهر من إتيان عرش بلقيس كما حكاه الله تعالى في القرآن.
وكان أنوشروان يقول لا يستغني أجود السيوف عن الصيقل ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعلم الملوك عن الوزير وفي الحديث :"إذا أراد الله بملك خيراً قيض له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن نوى خيراً أعانه وإن نوى شراً كفه" وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وزراء كما قال :"إن لي وزيرين في الأرض أبا بكر وعمر ووزيرين في السماء جبريل وإسرافيل" فكان من في السماء يمده عليه السلام من جهة الروحانية ومن في الأرض من جهة الجسمانية قال الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِه وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال : ٦٢) فنصر الله سماوي ونصر المؤمنين أرضي وبالكل يحصل الإمداد مطلقاً وفي الحديث :"إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أهل القبور" ذكره الكاشفي في "الرسالة العلية" وابن الكمال في "شرح الأربعين" حديثاً والمراد من أهل القبور الروحانيون سواء كانوا في الأجساد الكثيفة أو اللطيفة فافهم.
ثم إن العادل يرث من النبي عليه السلام هذه الوزارة وأما الظالم فيجعل له وزير سوء وهو علامة غضب الله وانتقامه، قال الشيخ سعدي قدس سره :
بقومي كه نيكى سندد خداى
دهد خسرو عادل نيك راى
و خواهد كه ويران كند عالمي
كند ملك دريه ظالمي
وقال الحافظ :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٠
زمانه كرنه سر قلب داشتى كارش
بدست آصف صاحب عيار بايستى
٣٨٠
ولما كان السلطان ظل الله في الأرض ظهر مظهر الحقيقة الجامعة الإلهية وهو القطب الذي هو مدار العالم فكما أن للقطب وزراء من العلماء الأمناء كذلك لمن هو ظله وزراء من العادلين الأدباء وهذه الوزراة ممتدة إلى زمن المهدي ووزراؤه سبعة هم أصحاب الكهف يحييهم الله في آخر الزمان يختم بهم رتبة الوزراء المهدية ومنهم الوزراء السبعة للملوك العثمانية وهم الذين يسمون بوزراء القبة.


الصفحة التالية
Icon