﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ هذا الخطاب إما بطريق التغليب أو بعد ملاقاة أحدهما الآخر وتكرير الأمر بالذهاب لترتيب ما بعده عليه.
وفرعون اسم أعجمي لقب الوليد بن مصعب صاحب موسى وقد اعتبر غوايته فقيل تفرعن فلان إذا تعاطى فعل فرعون وتخلق بخلقه كما يقال أبلس وتبلس ومنه قيل للطغاة الفراعنة والأبالسة ﴿إِنَّه طَغَى﴾ الطغيان مجاوزة الحد في العصيان أي : تجاوز حد العبودية بدعوى الربوبية.
قال في "العرائس" : أمر الله موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إلى فرعون لقطع حجته وإظهار كذبه في دعواه وهذا تهديد لكل مدع لا يكون معه بينة من الله في دعواه والحكمة في إرسال الأنبياء إلى الأعداء ليعرفوا عجزهم عن هداية الخلق إلى الله ومن يعجز عن هداية غيره فأيضاً يعجز عن هداية نفسه كالطبيب العاجز عن معالجة الغير فإنه عاجز عن معالجة نفسه أيضاً وليعلموا أن الاختصاص لا يكون بالأسباب ويشكروا الله بما أنعم عليهم بلطفه وربما يصطادون من بين الكفرة من يكون له استعداد بنظر الغيب مثل حبيب النجار والرجل من آل فرعون وامرأة فرعون والسحرة.
قال ابن عطاء : الإشارة إلى فرعون وهو المبعوث بالحقيقة إلى السحرة فإن الله يرسل أنبياءه إلى أعدائه ولم يكن لأعدائه عنده من الخطر ما يرسل إليهم أنبياءه بسببه ولكن يبعث الأنبياء إليهم ليخرج أولياءه المؤمنين من أعدائه الكفرة :
حافظ ازبهر تو آمد سوى اقليم وجود
قدمى نه بوداعش كه رواه خواهد شد
وفي "التأويلات النجمية" اعلم أن فائدة إتيانهما ورسالتهما إلى فرعون وتبليغ الرسالة كانت عائدة إلى موسى وهارون لنفسهما لا إلى فرعون في علم الله تعالى فالحكمة في إرسالهما أن يكونا رسولين من ربهما مبلغين منذرين لتحقق رسالتهما وينكرها فرعون ويكفر بهما ليتحقق كفره كما قال ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنا بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَنا بَيِّنَةٍ﴾ (الأنفال : ٤٢).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٨
﴿فَقُولا لَه قَوْلا لَّيِّنًا﴾ أي : كلماه باللين والرفق من غير خشونة ولا تعنيف ويسرا ولا تعسرا فإنه ما دخل الرفق في شيء إلا وقد زانه وما دخل الخرق في شيء إلا وقد شانه وكان في موسى حدة وصلابة وخشونة بحيث إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً فعالج حدته وخشونته باللين ليكون حليماً وهو معنى قول من قال طبع الحبيب كان على اللين والرحمة فلذا أمر بالغلظة كما قال تعالى :﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ تحققاً بكمال الجلال وطبع الكليم على الشدة والحدة والصلابة فلذا أمر بالقول اللين تحققاً بكمال الجمال وقد قال عليه السلام :"تخلقوا بأخلاق الله" فالخطاب خطاب الأمر بالتخلق جمالاً وجلالاً فكل واحد منهما أوفق بمقامه وأيضاً إن فرعون كان من الملوك الجبابرة ومن عادتهم ين يزدادوا عتواً إذا خوشنوا في الوعظ فاللين عندهم أنفع وأسلم كما أن الغلظة على العامة أوفق حكمة وأشد دعوة فلو كان في قول موسى خشونة لم يحتمل طبع فرعون بل هاج غضبه فلعله يقصد موسى بضرب أو قتل ففائدة اللين عائدة إلى موسى وفي "الأسئلة المقحمة" إنما أمرهما بذلك لأنه كان ابتداء حال الدعوة وفي ابتداء الحال يجب التمكين والإمهال لينظر المدعو فيما يدعى إليه كما قال لنبينا عليه السلام :﴿وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ قيل أمهلهم لينظروا
٣٨٨
ويستدلوا فبعد أن ظهر منهم التمرد والعناد فحينئذٍ يتوجه العنف والتشديد ويختلف ذلك باختلاف الأحوال انتهى فكل من اللين والخشونة يمدح به طوراً ويذم به طوراً بحسب اختلاف الواقع وعليه يحمل نحو قوله عليه السلام :"لا تكن مراً فتعقي ولا حلواً فتسترط" يقال أعقيب الشيء إذا أزلته من فيك لمرارته واستراطه ابتلاعه ومن أمثال العرب لا تكن رطباً فتعصر ولا يابساً فتكسر وذلك لأن خير الأمور أوسطها ورعاية مقتضى الحال قاعدة الحكيم، قال الشيخ سعدي قدس سره :
و نرمى كنى خصم كردد دلير
وكر خشم كيرى شوند ازتوسير
درشتى ونرمى بهم در بهست
ورك زن كه جراح ومرهم نهست
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٨