وقيل : أمر الله موسى باللين مع الكافر مراعاة لحق التربية لأنه كان رباه فنبه به على نهاية تعظيم حق الأبوين.
وفي الإحياء سئل الحسن عن الولد كيف يحتسب على والده فقال : يعظه ما لم يغضب فإذا غضب سكت فعلم منه أنه ليس للولد الحسبة على الوالد بالتعنيف والضرب وليس كذلك التلميذ مع الأستاذ إذ لا حرمة لعالم غير عامل.
وقيل أمر موسى باللين ليكون حجة على فرعون لئلا يقول أغلظ علي القول في دعوته.
وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ رحمه الله هذه الآية فبكى وقال الهي هذا رفقك بمن يقول أنا الاله فكيف بمن يقول أنت الإله ﴿لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ﴾ (شايد او ندكيرد) ﴿أَوْ يَخْشَى﴾ (يا بترسد از عذاب خداى) كما قال في "الإرشاد" لعله يتذكر بما بلغتماه من ذكري ويرغب فيما رغبتماه فيه أو يخشى عقابي وكلمة أو لمنع الخلو انتهى.
وقال بعضهم : الرجاء والطمع راجعان إلى مال موسى وهارون والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم والخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ولذلك خص العلماء بها في قوله ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ (فاطر : ٢٨) أي : قولاً له ذلك راجيين أن يترك الإصرار على إنكار الحق وتكذيبه إما بأن يتذكر ويتعظ ويقبل الحق قلباً وقالباً أو بأن يتوهم أنه حق فيخشى بذلك من أن يصر على الإنكار ويبقى متردداً وتوقفاً بين الأمرين وذلك خير بالنسبة إلى الإنكار والإصرار عليه لأنه من أسباب القول ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم ينفعاه وذلك حين ألجمه الغرق ﴿قَالَ ءَامَنتُ أَنَّه لا إله إِلا الَّذِى ءَامَنَتْ بِه بَنُوا إسرائيل وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (يونس : ٩٠).
ـ روي ـ أن موسى وعده على قبول الإيمان شباباً لا يهرم وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت ويبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته فإذا مات دخل الجنة فأعجبه ذلك وكان هامان غائباً وهو لا يقطع أمراً بدونه فلما قدم أخبره بما قال له موسى وقال : أردت أن أقبل منه يا هامان فقال له هامان : كنت أرى أن لك عقلاً ورأياً أنت الآن رب تريد أن تكون مربوباً فأبى عن الإيمان.
وفائدة إرسالهما إليه مع علمه تعالى بأنه لا يؤمن الزام الحجة وقطع المعذرة لأن عادة الله التبليغ ثم التعذيب.
قال بعض أرباب الحقيقة : الأمر تكليفي وإرادي والإرادة كثيراً ما تكون مخالفة للأمر التكليفي فالرسل والورثة في خدمة الحق من حيث أمره التكليفي وليسوا في خدمته من حيث الأمر الإرادي ولو كانوا خادمين للإرادة مطلقاً لما ردوا على أحد في فعله القبيح بل يتركونه على ما هو عليه لأنه هو المراد ولما كان لعين
٣٨٩
العاصي الثابتة في الحضرة العلمية استعداد التكليف توجه إليه الأمر التكليفي وليس لتلك العين استعداد الإتيان المأمور به فلا يتحقق منه المأمور به ولهذا تقع المخالفة والمعصية.
فإن قلت ما فائدة التكليف والأمر بما يعلم عدم وقوعه.
قلت : فائدته تمييز من له استعداد القبول ممن ليس له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة وأهلهما انتهى، قال الحافظ :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٨
درين من مكنم سرزنش بخود رويى
نانكه رورشم ميدهند مى رويم
قال في "بحر العلوم" : إن الله قد علم كل شيء على ما هو عليه والعلم تبع للمعلوم وعلمه بأن فرعون لا يؤمن باختياره لا يخرجه عن حيز الإمكان ولذلك أمرهما بدعوته والرفق فيها وفي قوله :﴿لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ دلالة ظاهرة على أن لقدرة العبد تأثيراً على أفعاله وفي أفعال غيره وأنه ليس بمجبور فيها كما زعم الأشعري حيث قال لا تأثير لقدرة العبد في أفعاله بل هو مجبور والإلم يثبت له التذكر والخشية بقول موسى :
﴿قَالا رَبَّنَآ﴾.
قال في "الإرشاد" أسند القول إليهما مع أن القائل حقيقة هو موسى بطريق التغليب إيذاناً بأصالته في كل قول وفعل وتبعية هارون له في كل ما يأتي وما يذر.