ـ وروي ـ أن موسى انطلق من الطور إلى جانب مصر لا علم له بالطريق وليس له زاد ولا حمولة ولا صحبة ولا شيء إلا العصا يظل صادياً ويبيت طاوياً يصيب من ثمار الأرض ومن الصيد شيئاً قليلاً حتى ورد أرض مصر.
قال الكاشفي :(ون بمصر توجه فرمود وحى آمد بهارون كه باستقبال برادر براه مدين دوان شود س در اثناى طريق ملاقات فرمودند وموسى شرح احوال بتمامى باز كفت هارون كفت اى برادر شوكت وعظمت ازانه ديده زياده شد وبأدنى سببى حكم بقطع وقتل وصلب ميكند موسى انديشناك شد وهردو برادر باتفاق كفتند اى روردكار ما) ﴿إِنَّنَا نَخَافُ﴾ الخوف توقع مكروه عن إمارة مظنونة أو معلومة كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن إمارة مظنونة أو معلومة ويضاد الخوف الأمن ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية قال تعالى :﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَه وَيَخَافُونَ عَذَابَه﴾ (الإسراء : ٥٧) والخوف من الله يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات ﴿أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ﴾ من فرط إذا تقدم تقدماً بالقصد ومنه الفارط إلى الماء أي : المتقدم لإصلاح الدلو أي : يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة فيتعطل المطلوب من الإرسال إليه.
وقرىء يفرط من الإفراط في الأذية.
فإن قلت : كيف هذا الخوف وقد علما أنهما رسولا رب العزة إليه؟ قلت : جرياً على الخوف الذي هو مجبول في طينة بني آدم كما في "التأويلات النجمية" يشير إلى أن الخوف مركوز في جبلة الإنسان حتى أنه لو بلغ مرتبة النبوة والرسالة فإنه لا يخرج الخوف من جبلته كما قالا :﴿رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ﴾ يعني أن يقتلنا ولكن الخوف ليس بجهة القتل وإنما نخاف فوات عبوديتك بالقيام لأداء الرسالة والتبليغ كما أمرتنا أو يتمرد بجهله ولا ينقاد لأوامرك ويسبك انتهى ﴿أَوْ أَن يَطْغَى﴾ أي : يزداد طغياناً إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لكمال جراءته وقساوته وإطلاقه حيث لم يقل عليك من حسن الأدب ولما كان طغيانه في حق الله أعظم من إفراطه في حقهما ختم
٣٩٠
الكلام به فإن المتمسك بالأعذار يؤخر الأقوى ونحوه ختم الهدهد بقوله :﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ﴾ (النمل : ٢٤).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٨
يقول الفقير : يجوز أن يكون المراد يطغى علينا أي : يجاوز الحد في الإساءة إلينا إلا أنه حذف الجار والمجرور رعاية للفواصل كما حذف المفعول لذلك في قوله :﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ (الضحى : ٣) وإظهار أن مع سداد المعنى بدونه للإشعار بتحقق الخوف من كل منهما.
﴿قَالَ﴾ استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه فقيل قال :﴿لا تَخَافَآ﴾ ما توهمتما من الأمرين يشير إلى أن الخوف إنما يزول عن جبلة الإنسان بأمر التكوين كما قال ﴿قُلْنَا يا نَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَـامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (الأنبياء : ٦٩) فكانت بتكوين الله إياها برداً وسلاماً، وفي "المثنوي" :
لا تخافوا هست نزل خائفان
هست درخور از براى خائفان
هركه ترسد مرورا ايمن كنند
مردل ترسندرا ساكن كنند
آنكه خوفش نيست ون كوئى مترس
درس ه دهى نيست او محتاج درس
قال ابن الشيخ في "حواشيه" : ليس المراد منه النهي عن الخوف لأنه من حيث كونه أمراً طبيعياً لا مدخل للاختيار فيه لا يدخل تحت التكليف ثبوتاً وانتفاء بل المراد به التسلي بوعد الحفظ والنصرة كما يدل عليه قوله :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَآ﴾ بكمال الحفظ والنصرة فإن الله تعالى منزه عن المعية المكانية ﴿أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ أي : ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل فافعل في كل حال ما يليق بها من دفع ضرر وشر وجلب نفع وخير فمن كان الله معه يحفظه من كل جبار عنيد.
ـ روي ـ أن شاباً كان يأمر وينهى فحبسه الرشيد في بيت وسد المنافذ ليهلك فبعد أيام رؤي في بستان يتفرج فأحضره الرشيد وقال : من أخرجك؟ قال : الذي أدخلني البستان فقال : من أدخلك؟ قال : الذي أخرجني من البيت فتعجب الرشيد وبكى وأمر له بالإحسان وبأن يركب وينادي بين يديه هذا رجل أعزه الله وأراد الرشيد إهانته فلم يقدر الله إلا إكرامه واحترامه، قال الحافظ :
هزار دشمن اكر ميكنند قصد هلاك
كرم تو دوستى از دشمنان ندارم باك
وقال الشيخ سعدي قدس سره :
محالست ون دوست دارد ترا
كه دردست دشمن كذارد ترا
واعلم أن الله تعالى حاضر مع عباده الحضور اللائق بشأنه ولا يعرف ذلك إلا من اكتحلت عين بصيرته بنور الشهود ولكن شهود الوحدة الذاتية أتم وأعلى من شهود المعية ولذلك لا يرضى الكمل الوقوف في مرتبة المعية بل يطلبون أن يصلوا بالفناء التام إلى مقام الوحدة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٨