ثم اعلم أن موسى وهارون عليهما السلام التجئا إلى حضرة الربوبية بكمال العبودية فتداركهما الله بالحفظ والعون.
قال الفقيه أبو الحسن : وقع القحط ببغداد فاجتمع الناس فرفعوا قصتهم إلى علي بن عيسى الوزير فقرأها وكتب على ظهرها : لست بسماء فأسقيكم ولا بأرض فأكفيكم ارجعوا إلى بارئكم.
قال أبو المعين : سألت بعض النصارى عن أحسن آية في الإنجيل فقال : خمس كلمات :"سلني أجبك، واشكر لي أزدك، وأقبل عليّ أقبل عليك،
٣٩١
واقرب مني أقرب منك، وأطعني في الدنيا أطعك في الدنيا والآخرة"، وفي "المثنوي" :
كفت حق كر فاسق واهل صنم
ون مراخوانى اجابتها كتم
تودعارا سخت كيرو مى شخول
عاقبت برهاندت ازدست غول
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٨
﴿فَأْتِيَاهُ﴾ أُمِرَا بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمرا بالذهاب إليه فلا تكرار والإتيان مجيىء بسهولة والمجيىء أعم والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول والمجيىء اعتباراً بالحصول ﴿فَقُولا﴾ من أول الأمر ﴿إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ ليعرف الطاغي سؤالكما ويبني جوابه عليه ورسولا تثنية رسول وهو فعول مبالغة مفعل بضم الميم وفتح العين بمعنى ذي رسالة اسم من الإرسال وفعول هذا لم يأت إلا نادراً وعرفاً من بعث لتبليغ الأحكام ملكاً كان أو إنساناً بخلاف النبي فإنه مختص بالإنسان ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ (س فرست باما فرزندان يعقوبرا بارض مقدسه بازرويم كه مسكن آباء ما بوده) ما قال في "بحر العلوم" فأطلقهم وخلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين المهملة هي البلاد التي بين الشام وأرض مصر منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها.
وقال في "الإرشاد" بالإرسال إطلاقهم من الأسر والقسر وإخراجهم من تحت يدالعادية لا تكليفه أن يذهبوا معهما إلى الشام كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿وَلا تُعَذِّبْهُمْ﴾ أي : بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت مملكة القبط يستخدمونهم في الأعمال الصعبة الفادحة من الحفر ونقل الأحجار وغيرهما من الأمور الشاقة ويقتلون ذكور أولادهم عاماً دون عام ويستخدمون نساءهم.
وتوسيط حكم الإرسال بين رسالتهما وبين ذكر المجيء بآية دالة على صحتها لإظهار الاعتناء به لأن تخليص المؤمنين من أيدي الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان كما قيل.
والعذاب هو الإيجاء الشديد وقد عذبه تعذيباً أي : أكثر حبسه في العذاب وأصله من قولهم عذب الرجل إذا ترك المأكل والنوم فهو عاذب وعذوب فالتعذيب في الأصل هو حمل الإنسان على أن يعذب أي : يجوع ويسهر وقيل أصله من العذب فعذبته أزلت عذب حياته على بناء مرّضته وفديّته وقيل أصل التعذيب إكثار الضرب بعذبة السوط أي : طرفه
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٢
﴿قَدْ جِئْنَـاكَ بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ (بدرستى كه آلأرده ايم نشانى يعنى معجزه ازيرورد كارتو) وتوحيد الآية مع تعددها لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا بيان تعدد الحجة فكأنه قال : قد جئناك ببرهان على ما ادعيناه من الرسالة ﴿وَالسَّلَـامُ﴾ اللام لتعريف الماهية والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة والمراد هنا إما التحية فالمعنى والتحية المستتبعة بسلامة الدارين من الله والملائكة أي : خزنة الجنة وغيرهم من المسلمين ﴿عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ بتصديق آيات الله الهادية إلى الحق فاللام على أصلها كما في سلام عليكم يقال تبعه واتبعه قفا أثره وذلك تارة بالجسم وتارة بالارتسام والامتثال وعلى ذلك قوله :﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ (البقرة : ٣٨) وأما السلامة فعلى بمعنى اللام كعكسه في قوله تعالى :﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ (غافر : ٥٢) أي : عليهم اللعنة.
قال في "التأويلات" : سلم من استسلم واتبع هدى الله تعالى وهو ما جاء به أنبياؤه عليهم السلام.
٣٩٢


الصفحة التالية
Icon