﴿قَالَ﴾ قال الكاشفي :(س موسى وهارون بحكم حضرت الهي بدركاه فرعون آمدند وبعد ازمدتى كه ملاقات او ميسر شد كفتند مارسولان رور دكاريم وترا بعبادت او ميخوانيم وآن كلمات كه حق تعالى تلقين كرده بود اداكردند فرعون كفت) ﴿فَمَنِ﴾ استفهامية : والمعنى بالفارسية (س كيست) ﴿رَّبُّكُمَا﴾ وقال غيره الفاء لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولي ربهما أي : إذا كنتما رسولي ربكما فأخبرا من ربكما الذي أرسلكما إليّ ولم يقل فمن ربي مع قولهما ﴿إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ لغاية عتوه ونهاية طغيانه.
قال الإمام أثبت نفسه رباً في قوله :﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ (الشعراء : ١٨) فذكر ذلك على سبيل التعجب كأنه قال : أنا ربك فلم تدعو ربا آخر يا مُوسَى} خاطبهما ثم أفرد موسى إذ كان يعلم أن موسى هو الأصل في الباب وهارون وزيره وتابع له.
﴿قَالَ﴾ موسى مجيباً له ﴿رَبُّنَا﴾ مبتدأ خبره قوله ﴿الَّذِى﴾ من محض رحمته ﴿أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ﴾ من أنواع المخلوقات ﴿خَلْقَهُ﴾ أي : صورته وشكله اللائق به مشتملاً على خواصه ومنافعه فالمراد بالخلق المخلوق ومنه يفهم أن ضمير الجمع في ربنا عام لموسى وهارون وفرعون وغيرهم ولم يقل ربنا الله بل وصفه بأفعاله ليستدل بالفعل على الفاعل ﴿ثُمَّ هَدَى﴾ وجه كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له طبعاً كما في الجمادات واختياراً كما في الحيوانات وهيأه لما خلق له ولما كان الخلق الذي هو عبارة عن تركيب الأجزاء وتسوية الأجسام متقدماً على الهداية التي هي عبارة عن إيداع القوى المحركة والمدركة في تلك الأجسام وسط بينهما كلمة التراخي.
قال بعض الكبار : إن للمخلوقات كلها حياة وروحاً إما صورية كما في الإنس والجن والملك ومن يتبعهم وإما معنوية كما في الجمادات والنباتات ولذا قال تعالى :﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ (الإسراء : ٤٤) فما من مخلوق إلا وقد هدى إلى معرفته تعالى بقدر عقله وروحه وحياته.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٢
وفي "التأويلات النجمية" :﴿أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ﴾ استعداداً لما خلق له ﴿ثُمَّ هَدَى﴾ أي : يسره لما خلق له والذي يدل عليه قوله عليه السلام :"اعملوا فكل ميسر لما خلق له" معناه أن الله تعالى خلق المؤمن مستعداً لقبول فيض الإيمان ثم هداه إلى قبول دعوة الأنبياء ومتابعتهم وخلق الكافر مستعداً لقبول فيض القهر والخذلان والتمرد على الأنبياء ومخالفتهم، قال المغربي قدس سره :
يكى را بهر طاعت خلق كردند
يكى را بهر عصيان آفريدند
٣٩٤
يكى از بهر مالك كشت موجود
يكى را بهر رضوان آفريدند
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٢
﴿قَالَ﴾ فرعون ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاولَى﴾ ما استفهام.
والبال الحال التي يكترث بها ولذا يقال ما باليت بكذا أي : ما اكترثت به ويعبر به عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان فيقال : ما خطر ببالي كذا.
والقرن القوم المقترنون في زمن واحد.
والأولى تأنيث الأول وواحد الأول كالكبرى والأكبر والكبر.
والمعنى فما بال القرون الماضية وما خبر الأمم الخالية مثل قوم نوح وعاد وثمود وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة.
قال في "الأسئلة المقحمة" فإن قلت هذا لا يليق بما تقدم قلنا : إن موسى كان قد قال له إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب أن يلحقكم ما قد لحقهم إن لم تؤمنوا بي فلهذا سأله فرعون عن حالهم انتهى.
يقول الفقير : هذا وإن كان مطابقاً لمقتضى الفاء إلا أن الجواب لا يساعده مع أن القائل بالخوف ليس هو موسى بل الذي آمن وبعيد أن يحمل الذي آمن على موسى لعدم مساعدة السباق والسياق فارجع إلى سورة المؤمن.
وقال بعضهم لما سمع البرهان خاف أن يزيد في إيضاحه فيتبين لقومه صدقه فيؤمنوا به فأراد أن يصرفه عنه ويشغله بالحكاية فلم يلتفت موسى إليه ولذا.
﴿قَالَ﴾ أي : موسى ﴿عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى﴾ أي : إن علم أحوال تلك القرون من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله ولا ملابسة للعلم بأحوالهم بمنصب الرسالة فلا أعلم منها إلا ما علمنيه من الأمور المتعلقة بما ارسلت ﴿فِى كِتَـابٍ﴾ أي : مثبت في اللوح المحفوظ بتفاصيله ﴿لا يَضِلُّ رَبِّى وَلا يَنسَى﴾ الضلال أن تخطىء الشيء في مكانه فلم تهتد إليه والنسيان : أن تغفل عنه بحيث لا يخطر ببالك وهما محالان على العالم بالذات.
والمعنى لا يخطىء ابتداء بل يعلم كل المعلومات ولا يغفل عنه بقاء بل هو ثابت أبداً وهو لبيان أن إثباته ي اللوح المحفوظ ليس لحاجته تعالى إليه في العلم به ابتداء وبقاء وإنما كتب أحكام الكائنات في كتاب ليظهرها للملائكة فيزيد استدلالهم بها على تنزه علمه تعالى عن السهو والغفلة.
برو علم يك ذره وشيده نيست
كه يدا ونهان بنزدش يكيست
فبعد الجواب القاطع رجع إلى بيان شؤونه تعالى وقال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٤