﴿الَّذِى﴾ أي : هو الذي ﴿جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا﴾ قال الإمام الراغب : المهد ما يهيأ للصبي والمهد والمهاد المكان الممهد الموطأ قال تعالى :﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا﴾ (طه : ٥٣) انتهى.
قال الكاشفي :(خوش كسترانيدكه برآن مى نشينيد ومسكن ميسازيد) ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا﴾ السلوك النفاذ في الطريق (يعني اندرراه شدن ورفتن) وسلك لازم ومتعد يقال سلكت الشيء في الشيء أدخلته والسبل جمع سبيل وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك.
والمعنى جعل لكم أي : لأجلكم لا لغيركم طرقاً كثيرة ووسطها بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من قطر إلى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها ﴿وَأَنزَلَ﴾ النزول هو الانحطاط من علو يقال نزل عن دابته ونزل في مكان كذا حط رحله فيه وأنزل غيره ﴿مِنَ السَّمَآءِ﴾ أي : من الفلك أو من السحاب فإن كل ما علا سحاب ﴿مَآءً﴾ هو جسم سيان قد أحاط حول الأرض والمراد هنا المطر وهو الأجزاء المائية إذا التأم بعضها مع بعض ونكره قصداً إلى معنى البعضية أي : أنزل
٣٩٥
من السماء بعض الماء ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ يقال خرج خروجاً برز من مقره أو حاله وأكثر ما يقال الإخراج في الأعيان أي : أنبتنا بسببه ذكر الماء وعدل عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تنبيهاً على زيادة اختصاص الفعل بذاته وإن ذلك منه ولا يقدر عليه غيره تعالى ﴿أَزْوَاجًا﴾ أصنافاً سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض لأنه يقال لكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضاداً زوج ولكل قرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج كالخف والنعل ﴿مِّن نَّبَاتٍ﴾ هو كل جسم يغتذي وينمو كما قال الراغب النبت والنبات ما يخرج من الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن له ساق كالنجم لكن اختص في التعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما تأكله الحيوانات ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل في كل نام نباتاً كان أو حيواناً أو إنساناً انتهى ومن بيانية فيكون قوله :﴿شَتَّى﴾ صفة للنبات لما أنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد والجمع.
وشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق أي : نباتات مختلة الأنواع والطعوم والروائح والأشكال والمنافع بعضها صالح للناس على اختلاف وجوه الصلاح وبعضها للبهائم والأظهر أن من نبات وشتى صفتان لا زواجاً وآخر شتى رعاية للفواصل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٥
﴿كُلُوا﴾ حال من ضمير فأخرجنا على إرادة القول أي : أخرجنا منها أصناف النباتات قائلين كلوا منها أي : من الثمار والحبوب ونحوهما ﴿وَارْعَوْا﴾ الرعي في الأصل حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه أي : أسيموا وأسرحوا فيها، وبالفارسية :(وبرانيد) ﴿أَنْعَـامَكُمْ﴾ وهي الإبل والبقر والضأن والمعز أي اقصدوا بها الانتفاع بالذات وبالواسطة آذنين في الانتفاع بها مبيحين بأن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها.
قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن السماء والماء والنبات والأنعام كلها مخلوقة لكم ولولا احتياجكم للتعيش بهذه الأشياء بل بجميع المخلوقات ما خلقتها، قال المغربي قدس سره :
غرض توبى ز وجود همه جهان ورنه
لما تكوّن في الكون كائن لولاك
﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ المذكور من الشؤون والأفعال الإلهية من جعل الأرض مهداً وسلك السبل فيها وإنزال الماء وإخراج أصناف النبات ﴿لايَـاتٍ﴾ كثيرة جليلة واضحة الدلالة على الصانع ووحدته وعظيم قذرته وباهر حكمته ﴿لاوْلِى النُّهَى﴾ جمع نهية سمي بها العقل لنهيه عن اتباع الباطل وارتكاب القبيح كما سمي بالعقل والحجر لعقله وحجره عن ذلك لذوي العقول الناهية عن الأباطيل التي من جملتها ما تدعيه الطاغية وتقبله منهم الفئة الباغية وتخصيص أولي النهى مع أنها آيات للعالمين باعتبار أنهم المنتفعون بها.
﴿مِّنْهَا﴾ أي : من الأرض.
وفي "التأويلات النجمية" : من قبضة التراب التي أمر الله تعالى عزرائيل أن يأخذها من جميع الأرض ﴿خَلَقْنَـاكُمْ﴾ بوساطة أصلكم آدم والا فمن عدا آدم وحواء مخلوق من النطفة وأصل الخلق التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء قال تعالى :﴿خَلْقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (الأنعام : ١) ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء كما في هذا المقام ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ عند الموت بالدفن في الموضع الذي أخذ ترابكم منه وإيثار كلمة في للدلالة على الاستقرار والعود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف
٣٩٦