﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يا مُوسَى﴾ استئناف مبين لكيفية تكذيبه وأبائه والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وادعاء أنه أمر محال والمجيىء إما على حقيقته أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدي والسحر خداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما تفعله المشعبذة من صرف الابصار عما تفعله بخفة يد وما يفعله التمام بقول حرف عائق للاسماع.
والمعنى أجئتنا من مكانك الذي كنت فيه بعدما غبت عنا أو أقبلت علينا لتخرجنا من أرض مصر بالغلبة والاستيلاء بما أظهرته من السحر فإن ذلك مما لا يصدر عن العاقل لكونه من باب محاولة المحال.
قال الكاشفي :(يعني دانستيم كه تو ساحرى وميخواهى كه بسحر مارا از مصر بيرون كنى وبنى اسرائيل را متمكن سازى وادشاهى كنى بر ايشان) وقال بعضهم هذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كون موسى محقاً حتى خاف منه على ملكه فإن ساحراً لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه.
وفي "الإرشاد" إنما قال لحمل قومه على غاية المقت بإبراز أن مراده ليس مجرد إنجاء بني إسرائيل من أيديهم بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة وسمي ما أظهره عليه من المعجزات الباهرة سحراً ليجسرهم على المقابلة.
وفي "التأويلات النجمية" : إنما قال هذا لأنه كان من أهل البصر لا من أهل البصيرة ولو كان من أهل البصيرة لرأى مجيئه لإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمات البشرية إلى نور الروحانية ومن ظلمات الإنسانية إلى نور الربانية، وفي "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٨
هركه از ديدار برخوردار شد
اين جهان در شم او مردار شدملك برهم زن توادهم وار زود
تا بيابى همو او ملك خلود فلما رأى ببصر الحس المعجزة سحراً ادعى أن يعارضه بمثل ما أتى به فقال :
﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام جواب قسم محذوف كأنه قيل إذا كان كذلك فوالله لنأتينك بسحر مثل سحرك فلا تغلب علينا، وبالفارسية :(هر آينه بياريم براى تو جادويى مانند جادويى تو وبآن باتو معارضه كنيم تا مردمان بدانندكه تو يغمبر نيستى جادو كرى) ﴿فَاجْعَلْ﴾ صير ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ﴾ لإظهار السحر ﴿مَوْعِدًا﴾ أي : وعداً لقوله :﴿لا نُخْلِفُهُ﴾ أي : ذلك الوعد ﴿نَحْنُ وَلا أَنتَ﴾ يقال اخلف وعده ولا يقال اخلف زمانه ولا مكانه.
وقال بعضهم : أراد بالموعد ههنا موضعاً يتواعدون فيه الاجتماع هناك انتهى.
والوعد عبارة عن الاخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها.
والخلف المخالفة في الوعد يقال وعدني فأخلفني أي : خالف في الميعاد ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ منصوب بفعل يدل عليه المصدر لا به فإنه موصوف وسوى
٣٩٨
بالضم والكسر بمعنى العدل والمساواة أي : عد مكاناً عدلاً بيننا وبينك وسطاً يستوي طرفاه من حيث المسافة علينا وعليكم لا يكون فيه أحد الطرفين أرجح من الآخر أو مكاناً مستوياً لا يحجب العين ارتفاعه ولا انخفاضه، وبالفارسية :(ون وعد برسد حاضر شويم درجايى كه مساوى باشد مسافت قوم ما وتوبآن يا مكان مستوى وهموار كه دروستى وبلندى نباشد تا مردم نظاره نتوانند كرد) ففوض اللعين أمر الوعد إلى موسى للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب كأنه متمكن من تهيئة أسباب المعارضة طال الأمد أم قصر.
وفي "التأويلات النجمية" : إنما طلب الموعد لأن صاحب السحر يحتاج إلى تدبير السحر إلى طول الزمان وصاحب المعجزة لا يحتاج في إظهار المعجزة إلى الموعد.
﴿قَالَ﴾ موسى :﴿مَوْعِدُكُمْ﴾ (زمان وعد شما) ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ (روز آرايش قبطيانست) يعني يوم عيدهم الذي يجتمع فيه الناس من كل مكان ليكون بمشهد خلق عظيم لعلهم يستحيون منهم فلا ينكرون المعجزة بعد إبطال السحر سألوا عن المكان فأجابهم بالزمان فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٨
اعلم أن الأعياد خمسة :"أحدها" : عيد قوم إبراهيم عليه السلام وفيه جعل إبراهيم الأصنام جذاذاً، والثاني عيد قوم فرعون وهو يوم الزينة، والثالث عيد قوم عيسى كما مر في أواخر المائدة، والرابع والخامس عيدا أهل المدينة في الجاهلية وذلك يومان في السنة فأبدلهما الله في الإسلام يومي الفطر والأضحى وهذان اليومان مستمران إلى يوم القيامة.
قال المولى الجامي :
قربان شدن بتيغ جفاى تو عيد ماست
جان ميدهيم بهر نين عيد عمر هاست