﴿وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ عطف على اليوم أو الزينة والحشر : إخراج الجماعة من مقارهم وازعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها ولا يقال إلا في الجماعة.
وضحى نصب على الظرف أي : وأن يجمع الناس في وقت الضحى ليكون أبعد من الريبة.
قال في "ضرام السقط" : أول اليوم الفجر ثم الصباح ثم الغداة ثم البكرة ثم الضحى ثم الضحوة ثم الهجيرة ثم الظهيرة ثم الرواح ثم المساء ثم العصر ثم الأصيل ثم العشاء الأولى ثم العشاء الأخيرة عند مغيب الشفق.
وفي "بحر العلوم" الضحى صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقي شعاعها.
وقال الإمام الراغب الضحى انبساط النهار وامتداده سمى الوقت به.
وقال الكاشفي :(ضحى درجاشتكاه كه روشنترست از باقى روز).
﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ﴾ أي : ترك الولي والقرب وانصرف عن المجلس وأرسل إلى المدائن لجمع السحرة ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ أي : ما يكاد به من السحرة وأدواتهم والكيد ضرب من الاحتيال ﴿ثُمَّ أَتَى﴾ أي : الموعد ومعه ما جمعه من كيده وفي كلمة التراخي إيماء إلى أنه لم يسارع إليه بل أتاه بعد تأخير.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٨
﴿قَالَ لَهُم مُّوسَى﴾ كأنه قيل فماذا صنع موسى عند إتيان فرعون مع السحرة فقيل قال لهم بطريق النصيحة ﴿وَيْلَكُمْ﴾ أصله الدعاء بالهلاك بمعنى ألزمكم الله ويلا يعني عذاباً وهلاكاً والمراد هنا الزجر والردع والحث والتحريض على ترك الافتراء، وبالفارسية :(واى برشما) ﴿لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بأن تدعو أن الآيات التي ستظهر على يدي سحر أو لا تشركوا مع الله أحداً والافتراء التقول والكذب عن عمد.
٣٩٩
وفي "التأويلات" : قال موسى للسحرة ﴿وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بإتيان السحر في معرض المعجزة ادعاء بأن الله قد أعطانا مثل ما أعطى الأنبياء من المعجزة ﴿فَيُسْحِتَكُم﴾ فيهلككم ويستأصلكم بسببه، وبالفارسية :(ازبيخ بركند شمارا) يقال اسحت الشيء أعدمه واستأصله ﴿بِعَذَابٍ﴾ هائل لا يقادر قدره ﴿وَقَدْ خَابَ﴾ الخيبة فوت المطلب أي :(بى بهره ونا اميدماند) ﴿مَنِ افْتَرَى﴾ أي : على الله تعالى كائناً من كان بأي وجه كان.
﴿فَتَنَـازَعُوا﴾ أي : السحرة حين سمعوا كلامه كأن ذلك غاظهم فتنازعوا ﴿أَمْرَهُم﴾ الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام وتشاوروا وتناظروا ﴿بَيْنَهُمْ﴾ في كيفية المعارضة وتجاذبوا أهداب القول في ذلك.
قال في "المفردات" نزع الشيء جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ وبالغوا في إخفاء النجوى عن موسى لئلا يقف عليه فيدافعه، وبالفارسية :(ونهان داشتند ازكفتن را) والنجوى السر وأصله المصدر وناجيته أي : ساررته وأصله ارتحلوا في نجوة من الأرض أي : مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله وقيل أصله من النجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه أو أن تنجوا بسرك من أن يطلع عليه وكان نجواهم ما نطق به قوله تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٩
﴿قَالُوا﴾ أي : بطريق التناجي والأسرار ﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ إن مخففة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والمشار إليه موسى وهارون ﴿يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم﴾ أي : من أرض مصر بالغلبة والاستيلاء عليها وهو خبر بعد خبر ﴿بِسِحْرِهِمَا﴾ الذي أظهراه من قبل ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ المثلى تأنيث الأمثل وهو الأشرف أي : بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب وأمثلها بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما يريدون ما كان عليه قوم فرعون لقوله :﴿إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ﴾ لا طريقة السحر فإنهم ما كانوا يعتقدون ديناً.
قال في "بحر العلوم" سموا مذهبهم بها لزيادة سرورهم وكمال فرحهم بذلك وإنه الذي تطمئن به نفوسهم كما قال تعالى :﴿كُلُّ حِزْبا بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (المؤمنون : ٥٣).
قال الإمام الراغب الطريق السبيل الذي يطرق بالأرجل ويضرب قال تعالى :﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ (طه : ٧٧) ومنه استعير لكل مسلك يسلكه الإنسان في فعل محموداً كان أو مذموماً قال تعالى :﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾ أي : الأشبه بالفضيلة.