قلنا لما تعين طريقاً إلى كشف الشبهة صار جائزاً.
وفي "الأسئلة المقحمة" : هذا ليس بأمر وإنما هو للاستهانة بذلك وعدم الإكتراث به لما كان يعلم أن ذلك سبب لظهور الحق وزهوق الباطل ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ الفاء فصيحة وإذا المفاجأة ظرفية والحبال جمع حبل وهو الرسن والعصي جمع عصا والتخيل تصوير خيال الشيء في النفس والتخيل تصور ذلك والخيال أصله الصورة المجردة كالصورة المتصورة في المنام وفي المرآة وفي القلب بعيد غيبوبة المرئى ثم تستعمل في صورة كل أمر متصور وفي كل شخص دقيق يجري مجرى الخيال وأنها تسعى نائب فاعل ليحيل والسعي المشي السريع وهو دون العدو.
والمعنى فألقوا ففاجأ موسى وقت أن يخيل إليه سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم، وبالفارسية (س رسنها وعصاهايي ايشان نموده شد بموسى از جادويى وكيد ايشان كه كويى بدرستى كه آن ميرود ومى شتايد) وذلك أنهم كانوا لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيل إليها أنها تتحرك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠١
﴿فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِه خِيفَةً مُّوسَى﴾ الوجس الصوت الخفي والتوجس التسمع والإيجاس وجود ذلك في النفس والخيفة الحالة التي عليها الإنسان من الخوف وهي مفعول أوجس وموسى فاعله.
والمعنى : أضمر موسى في نفسه بعض خوف من مفاجأته بمقتضى البشرية المجبولة على النفرة من الحيات والاحتراز من ضررها المعتاد من اللسع ونحوه كما دل عليه قوله في نفسه لأنه من خطرات النفس لا من القلب وفي الحقيقة أن الله تعالى ألبس السحر لباس القهر فخاف موسى من قهر الله لا من غيره لأنه لا يأمن من مكر الله إلا القوم الفاسقون، يقول الفقير :
ون خدا خواهد شودهر برك خار
رشته باريك درشم عين مار
برك لرزان آب ريزان از الم
ون نمى ترسم زقهر كردكار
﴿قُلْنَا لا تَخَفْ﴾ ما توهمت ﴿إِنَّكَ﴾ أي : لأنك ﴿أَنتَ الاعْلَى﴾ أي : الغالب القاهر لهم ونحن معك في جميع أحوالك فإنك القائم بالمسبب وهم القائمون المعتمدون على الأسباب وأيضاً معك آياتنا الكبرى وهو لباس حفظنا.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن خوف البشرية مركوز في جبلة الإنسان ولو كان نبياً إلى أن ينزع الله الخوف منه انتزاعاً ربانياً بقول صمداني كما قال تعالى :﴿قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى﴾ أي : أعلى درجة من أن تخاف من المخلوقات دون الخالق وفيه معنى آخر أن خوف موسى ما كان من المكونات بل من المكون إذ رأى عصاه ثعباناً تلقف سحر السحرة وقد علم أنها صارت مظهر صفة قهارية الحق فخاف من الحق وقهره لا من العصا وثعبانها فلهذا قال تعالى :﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى﴾ أي : لأنك على درجة عندنا منها لأنها عصاك مصنوعة لنفسك وأنت رسولي وكليمي واصطنعتك لنفسي فإن كانت هي مظهر صفة قهري فأنت مظهر صفات لطفي وقهري كلها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠١
﴿وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ﴾ أي : عصاك والإبهام لتفخيم شأنها والإيذان بأنها ليست من جنس العصى المعهودة لأنها مستتبعة لآثار غريبة ﴿تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ بالجزم جواب للأمر من لقفه كسمعه لقفا بسكون القاف وفتحها إذا ابتلعه التقمه سرعة.
قال في "المفردات" : لقفت الشيء القفه وتلقفته تناولته بالجذب سواء كان تناوله بالفم أو باليد
٤٠٢
انتهى والتأنيث لكون ما عبارة عن العصا والصنع إجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا ولا تنسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل.
والمعنى تبتلع وتلقم ما صنعوه من الحبال والعصي التي خيل إليك سعيها وخفتها والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والإيذان بالتمويه والتزوير أي زوروه وافتعلوه ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا﴾ ما موصولة أو موصوفة أي : إن الذي صنعوه أو إن شيئاً صنعوه ﴿كَيْدُ سَـاحِرٍ﴾ بالرفع على أنه خبر لأن أي : كيد جنس الساحر ومكره وحيلته وتنكيره للتوسل به إلى تنكير ما أضيف إليه للتحقير والكيد ضرب من الاحتيال يكون محموداً أو مذموماً وإن كان يستعمل في المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر ﴿وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ﴾ أي : لا يدرك بغيته هذا الجنس ﴿حَيْثُ أَتَى﴾ من الأرض وعمل السحر فيها وهو من تمام التعليل.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن ما في يمينك هو مصنوعي وكيدي وما صنعه السحرة إنما هو مصنوعهم وكيدهم ولا يفلح الساحر ومصنوعه وكيده حيث أتى مصنوعي وكيدي لأن كيدي متين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٢


الصفحة التالية
Icon