واعلم أن الفلاح دنيوي وهو الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء والغنى والعز وأخروي وهو أربعة أشياء : بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ففلاح أهل الدنيا كلا فلاح لأن عاقبته خيبة وخسران ألا ترى أن من قال لأستاذه لم أي : اعترض عليه لن يفلح أبداً وقد رأينا بعض المعترضين قد أوتي مالاً وجاهاً ورياسة فهو فهو تقلبه خائب خاسر وقس عليه سائر المخالفين من أهل المنكرات.
قال في "نصاب الاحتساب" الساحر إذا تاب قبل أن يؤخذ تقبل توبته وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته.
وفي "شرح المشارق" : للشيخ أكمل روي محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال في الساحر يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب ولا يقبل قوله إني أترك السحر وأتوب منه فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه وإن شهد عليه شاهدان بالسحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم أنها سحر قتل ولا يستتاب انتهى.
وفي "شرح رمضان" على "شرح العقائد" أن الساحر يقتل ذكراً أو أنثى إذا كان سعيه بالإفساد والإهلاك في الأرض وإذا كان سعيه بالكفر فيقتل الذكر دون الأنثى انتهى.
وفي الفروع لا تقتل الساحرة المسلمة ولكن تضرب وتحبس لأنها ارتكبت جريمة عظيمة وإنما لا تقتل لأن النبي عليه السلام نهى عن قتل النساء مطلقاً.
وفي الأشباه كل كافر تاب فتوبته مقبولة في الدنيا والآخرة إلا جماعة الكافر بسب النبي وبسب الشيخين أو أحدهما وبالسحر ولو امرأة وبالزندقة إذا أخذ قبل توبته انتهى.
وفي "فتاوي قارىء الهداية" الزنديق من يقول ببقاء الدهر أي : لا يؤمن بالآخرة ولا الخالق ويعتقد أن الأموال والحرم مشتركة.
وقال في موضع آخر : هو الذي لا يعتقد إلهاً ولا بعثاً ولا حرمة شيء من الأشياء وفي قبول توبته روايتان والذي ترجح عدم قبول توبته انتهى.
قال في "شرح الطريقة" السحر في اللغة كل ما لطف ودق ومنه السحر للصبح الكاذب وقوله عليه السلام :"إن من البيان لسحراً" وبابه منع وفي العرف إراءة الباطل في صورة الحق وهو عندنا أمر ثابت لقوله عليه السلام :"السحر حق والعين حق".
وفي "شرح الأمالي" السحر من سحر يسحر سحراً إذا خدع أحداً وجعله مدهوشاً متحيراً وهذا
٤٠٣
إنما يكون بأن يفعل الساحر شيئاً يعجز عن فعله وإدراكه المسحور عليه.
وفي "كتاب اختلاف الأئمة" السحر رقي وعزائم وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه وله حقيقة عند الأئمة الثلاثة.
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله لا حقيقة له ولا تأثير له في الجسم وبه قال أبو جعفر الاسترابادي من الشافعية.
وفي "شرح المقاصد" : السحر إظهار أمر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة أعمال مخصوصة يجري فيها التعلم والتعليم وبهذين الاعتبارين يفارق المعجز والكرامة وبأنه لا يكون بحسب اقتراح المقترحين وبأنه يخص الأزمنة أو الأمكنة أو الشرائط وبأنه قد يتصدى لمعارضته ويبذل الجهد في الإتيان بمثله وبأن صاحبه ربما يعلن بالفسق ويتصف بالرجس في الظاهر والباطن والخزي في الدنيا والآخرة وهو أي : السحر عند أهل الحق جائز عقلاً ثابت سمعاً وكذا الإصابة بالعين.
وقال المعتزلة بل هو مجرد إراءة ما لا حقيقة له بمنزلة الشعوذة التي سببها خفة حركات اليد أو إخفاء وجه الحيلة وفيه لنا وجهان الأول يدل على الجواز والثاني يدل على الوقوع، أما الأول هو إمكان الأمر في نفسه وشمول قدرة الله تعالى فإنه هو الخالق وإنما الساحر فاعل وكاسب وأيضاً فيه إجماع الفقهاء وإنما اختلفوا في الحكم وأما الثاني فهو قوله تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـارُوتَ وَمَـارُوتَ﴾ إلى قوله :﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِه بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِه مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ (البقرة : ١٠٢) وفيه إشعار بأنه ثابت حقيقة ليس مجرد إراءة وتمويه وبأن المؤثر والخالق هو الله تعالى وحده.
فإن قيل قوله تعالى في قصة موسى ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ (طه : ٦٦) يدل على أنه لا حقيقة للسحر وإنما هو تمويه وتخييل.
قلنا : يجوز أن يكون سحرهم هو إيقاع ذلك التخييل وقد تحقق ولو سلم فكون أثره في تلك الصورة هو التخييل لا يدل على أنه لا حقيقة له أصلاً.
ثم إن السحر خمسة أنواع في المشهور :
منها : الطلسم قيل هو مقلوب المسلط وهو جمع الآثار السماوية مع عقاقير الأرض ليظهر منها أمر عجيب.
ومنها : النيرنج قيل هو معرب "نيرنك" وهو التمويه والتخييل قالوا ذلك تمزيج قوى جواهر الأرض ليحدث منها أمر عجيب.


الصفحة التالية
Icon