﴿أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـافٍ﴾ الخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفان دون العكس.
والمعنى من كل شق طرفاً وهو أن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ومن فيه لابتداء الغاية أي : ابتداء القطع من مخالفة العضو العضو لا من وفاقه إياه فإن المبتدىء من المعروض مبتدىء من العارض أيضاً وهي مع مجرورها في حيز النصب على الحالية أي : لأقطعنها مختلفاً لأنها إذا خالف بعضها بعضاً بأن هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك يسار فقد اتصفت بالاختلاف وتعيين القطع وكيفيته لكونه أفظع من غيره ﴿وَلاصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ الصلب الذي هو تعليق الإنسان للقتل قيل هو شد صلبه على خشب أي : على أصول النخل في شاطىء النيل، وبالفارسية :(وهر آيينه برآويزم شمارا درتن خرما بن كه دراز ترين درختانست تاهمه كس شمارابه بيند وعبرت كيرد) وإيثار كلمة في للدلالة على إبقائهم عليها زماناً طويلاً تشبيهاً لاستقرارهم عليها باستقرار المظروف في الظرف المشتمل عليه.
قالوا : فرعون موسى هو أول من استعمل الصلب.
فإن قيل مع قرب عهده بانقلاب العصا حية وقصدها ابتلاع قصره واستغاثته بموسى من شرها كيف يعقل أن يهدّد السحرة إلى هذه الحد ويستهزىء بموسى.
قلنا : يجوز أن يكون في أشد الخوف ويظهر الجلادة تمشية لناموسه وترويجاً لأمره والاستقراء يوقفك على أمثاله ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ﴾ أي : أنا وموسى ﴿أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ أدوم وموسى لم يكن في شيء من التعذيب إلا أن فرعون ظن السحرة خافوا من قبل موسى على أنفسهم حين رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فقال ما قال وعلى ما سبق من "بحر العلوم" في ﴿لَه قَبْلَ﴾ يكون المراد بـ ﴿أَيُّنَآ﴾ نفسه ورب موسى.
وفي "التأويلات النجمية" : وإنما قال :﴿أَشَدُّ عَذَابًا﴾ لأنه كان بصيراً بعذاب الدنيا وشدته وقد كان أعمى بعذاب الآخرة وشدته.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿قَالُوا﴾ غير مكترثين بوعيده.
قال الكاشفي :(ساحران ون ازجام جذبه حقانى مست شده بودند واز انوار تواتر ملاطفات ربانى كه بردل ايشان تافته بود ازدست شده :
خورده يكجرعه از كف ساقى
هره فانيست كرده درباقى
دامن از فكر غير افشانده
ليس في الدار غيره خانده
لا جرم درجواب فرعون كفتند) ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ﴾ لن نختارك بالإيمان والاتباع ﴿عَلَى مَا جَآءَنَا﴾ من الله على يد موسى ﴿مِنَ الْبَيِّنَـاتِ﴾ من المعجزات الظاهرة التي لا شبهة في حقيتها وكان من استدلالهم أنهم قالوا : لو كان هذا سحراً فأين حبالنا وعصينا.
وفيه إشارة إلى أن القوم شاهدوا في رؤية الآيات أنوار الذات والصفات فهان عليهم عظائم البليات ومن آثر الله على الأشياء هان عليه ما يلقى في ذات الله.
وقد قال بعض الكبار ليخفف ألم البلاء عنك علمك أن الله هو المبلى ﴿وَالَّذِى فَطَرَنَا﴾ أي : خلقنا وسائر المخلوقات عطف على ما جاءنا وتأخيره لأن ما في ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهده آية حسية ظاهرة.
وقال بعضهم هو قسم محذوف الجواب لدلالة المذكور عليه أي : وحق الذي فطرنا لا نؤثرك فإن القسم لايجاب بلن إلا على شذوذ.
وفي "التفسير الفارسي" :(وسوكنده ميخوريم بخدايى كه مارا آفريد).
وفي "التأويلات" : أي : بالذي فطرنا على فطرة الإسلام والتعرض للفاطرية
٤٠٦
لإيجابها عدم إيثارهم فرعون عليه تعالى ﴿فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ﴾ جواب عن تهديده بقوله لأقطعن أن فاصنع ما أنت صانعه أو احكم فينا ما أنت فيه حاكم من القطع والصلب.
وفي "التأويلات" : أي : فاحكم وأجر علينا ما قضى الله لنا في الأزل من الشهادة ﴿إِنَّمَا تَقْضِى هَـاذِهِ الْحَيَواةَ الدُّنْيَآ﴾ أي : إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الحياة الدنيا ومدة حياتنا فحسب فسيزول أمرك وسلطانك عن قريب ومالنا من رغبة في عذبها ولا رهبة من عذابها (امروز بجور هره خواهى ميكن فردا بتونيز هره خواهند كنند).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٦
﴿إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـايَـانَا﴾ من الكفر والمعاصي ولا يؤاخذ بها في الدار الآخرة لا ليمتعنا بتلك الحياة الفانية حتى تتأثر بما أوعدتنا به من القطع والصلب والمغفرة صيانة العبد عما استحقه من العقاب للتجاوز عن ذنوبه من الغفر وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس.
والخطايا جمع الخطية والفرق بينها وبين السيئة أن السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطية فيما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ ﴿وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ عطف على خطايانا أي : ويغفر لنا السحر الذي عملناه في معارضة موسى بإكراهك وحشرك إيانا من المدائن القاصية خصوه بالذكر مع اندراجه في خطاياهم إظهاراً لغاية نفرتهم منه ورغبتهم في مغفرته ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ﴾ أي : في ذاته وهو ناظر إلى قولهم والذي فطرنا ﴿وَأَبْقَى﴾ أي : جزاء ثواباً كان أو عقاباً أو خير لنا منك ثواباً إن أطعناه وأدوم عذاباً منك إن عصيناه.


الصفحة التالية
Icon