وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ﴾ في إيصال الخير ودفع الشر منك ﴿وَأَبْقَى﴾ خيره من خيرك وعذابه من عذابك.
قال الحسن : سبحان الله لقوم كفارهم أشد الكافرين كفراً ثبت في قلوبهم الإيمان طرفة عين فلم يتعاظم عندهم أن قالوا :﴿فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ﴾ في ذات الله والله إن أحدهم اليوم ليصحب القرآن ستين عاماً ثم إنه ليبيع دينه بثمن حقير، قال الشيخ سعدي قدس سره :
زيان ميكند مرد تفسيردان
كه علم أدب ميفروشد بنان
كجا عقل باشرح فتوى دهد
كه اهل خرد دين بديني دهد
﴿إِنَّهُ﴾ أي : الشأن وهو تعليل من جهتهم لكونه تعالى خيراً وأبقى ﴿مِنْ﴾ (كس كه) ﴿يَأْتِ﴾ (آيد در روز قيامت) ﴿رَّبِّهِ﴾ (نزديك رور دكار او) ﴿مُجْرِمًا﴾ حال كونه متوغلاً في إجرامه منهمكاً فيه بأن يموت على الكفر والمعاصي ولأنه مذكور في مقابلة المؤمن ﴿فَإِنَّ لَه جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا﴾ فينتهي عذابه ويستريح وهذا تحقيق لكون عذابه أبقى ﴿وَلا يَحْيَى﴾ حياة ينتفع بها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٦
﴿وَمَن يَأْتِه مُؤْمِنًا﴾ به تعالى وبما جاء من عنده من المعجزات التي من جملتها ما شاهدناه ﴿قَدْ﴾ أي : وقد ﴿عَمِلَ الصَّـالِحَـاتِ﴾ الصالحة كالحسنة جارية مجرى الاسم ولذلك لا تذكر غالباً مع الموصوف وهي كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والنقل فأولئك إشارة إلى من والجمع باعتبار معناها أي : فأولئك المؤمنون العاملون للصالحات ﴿لَهُمُ﴾ بسبب إيمانهم وأعمالهم الصالحة ﴿الدَّرَجَـاتُ الْعُلَى﴾ جمع العليا تأنيث الأعلى أي : المنازل الرفيعة في الجنة.
وفيه إشارة إلى الفرق بين أهل الإيمان المجرد
٤٠٧
وبين الجامع بين الإيمان والعمل حيث أن الدرجات العالية للثاني وغيرها لغيره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٦
﴿جَنَّـاتُ عَدْنٍ﴾ بدل من الدرجات العلى ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾ (يوسته ميرود از زير منازل آن يا أشجار آن جويها) حال من الجنات ﴿خَـالِدِينَ فِيهَا﴾ حال من الضمير في لهم والعامل معنى الاستقرار أو الإشارة ﴿وَذَالِكَ﴾ أي : المذكور من الثواب ﴿جَزَآءُ مَن تَزَكَّى﴾ الجزاء ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيراً فخير وإن شراً فشر يقال جزيته كذا وبكذا والفرق بين الأجر والجزاء أن الأجر يقال فيما كان عن عقد وما يجري مجرى العقد ولا يقال إلا في النفع دون الضر والجزاء يقال فيما كان عن عقد وعن غير عقد ويقال في النافع والضار والمعنى جزاء من تطهر من دنس الكفر والمعاصي بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة وهذا تحقيق لكون ثواب الله تعالى أبقى وفي الحديث :"إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدريّ في أفق السماء وإن أبا أبكر وعمر منهم وانعما" أي : هما أهل لهذا.
قالوا ليس في القرآن أن فرعون فعل بأولئك المؤمنين ما أوعدهم به ولم يثبت في الأخبار كما في الأخبار.
وقال في "التفسير الكبير" : نقلاً عن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء وفي "بحر العلوم" أصبحوا كفرة وامسوا أبراراً شهداء، وفي "المثنوي" :
ساحران در عهد فرعون لعين
ون مرى كردند با موسى بكين
ليك موسى را مقدم داشتند
ساحران اورا مكرّم داشتند
زانكه كفتندش كه فرمان آن تست
كو تومى خواهى عصا بفكن نخست
كفت نى اول شما أى ساحران
افكنيد آن مكرهارا درميان
اين قدر تعظيم ايشانرا خريد
وازمرى آن دست واهاشان بريد
ساحران ون قدر او نشناختند
دست وادر جرم آن در باختند
فدلت هذه الأخبار على كونهم شهداء وأن فرعون استعمل الصلب فيهم وإلا لم يكن أول من صلب.
فعلى العاقل أن يختار الله تعالى ويتزكى عن الأخلاق الذميمة النفسانية والأوصاف الشنيعة الشيطانية ويتحلى بالأخلاق الروحانية الربانية ويبذل المال والروح لينال أعلى الفتوح جعلنا الله وإياكم من أهل الولاء وممن هان عليه البلاء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٨
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى﴾ وبالله لقد أوحينا إليه بعد إجراء الآيات التسع في نحو من عشرين سنة كما في "الإرشاد".
يقول الفقير : يخالفها ما في بعض الروايات المشهورة من أن موسى عليه السلام دعا ربه في حق فرعون وقومه فاستجيب له ولكن أثره بعد أربعين سنة على ما قالوا عند قوله تعالى :﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾ (يونس : ٨٩) ﴿أَنْ﴾ مفسرة بمعنى أي : أو مصدرية أي : بأن ﴿أَسْرِ بِعِبَادِى﴾ السرى والإسراء سير الليل أي : قال سر ببني إسرائيل من مصر ليلاً، وبالفارسية :(بشب ببريندكان مرا) أمر بذلك لئلا يعوقهم أعوان فرعون ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ﴾ فاجعل من قولهم ضرب له في ماله سهماً أو فاتخذوا عمل من قولهم ضرب اللبن إذا عمله.
وفي "الجلالين" : فاضرب لهم بعصاك ﴿طَرِيقًا﴾ الطريق كل ما يطرقه طارق معتاداً كان أو غير معتاد.
قال الراغب : الطريق السبيل الذي يطرق بالأرجل ويضرب ﴿فِى الْبَحْرِ﴾ البحر
٤٠٨


الصفحة التالية
Icon