وفي "التأويلات النجمية" : ونزلنا عليهم المن من صفاتنا والسلوى سلوى أخلاقنا كلوا من طيبات ما رزقناكم أي : اتصفوا بطيبات صفاتنا وتخلقوا بكرائم أخلاقنا التي شرفناكم بها أي : لو لم تكن العناية الربانية لما نجا الروح والقلب وصفاتهما من شر فرعون النفس وصفاتها ولولا التأييد الإلهي لما اتصفوا بصفات الله ولا تخلقوا بأخلاقه ثم قال ولا تطغوا فيه أي : إذا استغنيتم بصفاتي وأخلاقي عن صفاتكم وأخلاقكم فلا تطغوا بأن تدعوا العبودية وتدعوا الربوبية وتسموا باسمي بأن اتصفتم بصفاتي كما قال بعضهم أنا الحق وبعضهم سبحاني وما أشبه هذه الأحوال مما يتولد من طبيعة الإنسانية فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وإن طغيان هذه الطائفة بمثل هذه المقالات وإن كانت هي من أحوالهم لأن الحالات لا تصلح للمقامات وهي موجبة للغضب كما قال تعالى :﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى﴾ أي : نجعل كل معاملاته في العبودية هباء منثوراً ولهذا الوعيد أمر الله عباده في الاستهداء بقوله :﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ (الفاتحة : ا ـ ٦) أي : إهدنا هداية غير من أنعمت عليه بتوفيق الطاعة والعبودية ثم ابتليته بطغيان يحل عليه غضبك ﴿وَإِنِّى لَغَفَّارٌ﴾ لستور ﴿لِّمَن تَابَ﴾ من الشرك والمعاصي التي من جملتها الطغيان فيما ذكر.
قال في "المفاتيح شرح المصابيح" الفرق بين الغفور والغفار أن الغفور كثير المغفرة وهي صيانة العبد عما استحقه من العقاب للتجاوز عن ذنوبه من الغفر وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس ولعل الغفار أبلغ منه لزيادة بنائه وقيل الفرق بينه وبين الغفار أن المبالغة فيه من جهة الكيفية وفي الغفار باعتبار الكمية ﴿وَءَامَنَ﴾ بما يجب الإيمان به ﴿وَعَمِلَ صَـالِحًا﴾ مستقيماً عند الشرع والعقل.
وفيه ترغيب لمن وقع منه الطغيان فيما ذكر وحث على التوبة والإيمان ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أي : استقام على الهدى ولزمه حتى الموت وهو إشارة إلى أن من لم يستمر عليه بمعزل من الغفران وثم للتراخي الرتبي.
قال في "بحر العلوم" ثم التراخي الاستقامة على الخير عن الخير
٤١١
نفسه وفضلها عليه لأنها أعلى منه وأجل لأن الشأن كلها فيها وهي مزلة أقدام الرجال.
قال ابن عطاء :﴿وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ أي : رجع من طريق المخالفة إلى طريق الموافقة وصدق موعود الله فيه واتبع السنة ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أقام على ذلك لا يطلب سواه مسلكاً وطريقاً :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٠
راه سنت رواكر خواهى طريق مستقيم
كزسنن راهى بود سوى رضاى ذو المتن
هر مزده درشم وى همون سنانى بادتيز
كرسنان زندكى خواهد زمانى بى سنن
وفي "التأويلات النجمية" : أي : رجع من الطغيان بعبادة الرحمن ﴿وَعَمِلَ صَـالِحًا﴾ بالعبودية للربوبية ﴿ثُمَّ اهْتَدَى﴾ أي : تحقق له أن تلك الحضرة منزهة عن دنس الوهم والخيال وإن الربوبية قائمة والعبودية دائمة.
واعلم أن التوبة بمنزلة الصابون فكما أن الصابون يزيل الأوساخ الظاهرة فكذلك التوبة تزيل الأوساخ الباطنة أعني الذنوب.
ـ روي ـ أن رجلاً قال للدينوري : ما أصنع فكلما وقفت على باب المولى صرفتني البلوى فقال : كن كالصبي مع أمه كلما ضربته يجزع بين يديها فلا يزال كذلك حتى تضمه إليها والتوبة على أقسام : فتوبة العوام من السيئات، وتوبة الخواص من الزلالت والغفلات، وتوبة الأكابر من رؤية الحسنات والالتفات إلى الطاعات.
وشرائط البلوى ثلاث : الندم بالقلب، والاعتذار باللسان بأن يستغفر الله، والإقلاع بالجوارح وهو الكف عن الذنب وفي الحديث "المستغفر باللسان المصر على الذنوب كالمستهزىء بربه"، وقال المولى قدس سره :
دارم جهان جهان كنه اى شرم روى من
ون روى ازين جهان بجهان دكرنهم
ياران دواسيه عازم ملك يقين شدند
تاكى عنان عقل بدست كمان دهم
باخلق لاف توبه ودل بركنه مصر
كس ى نمى بردكه بدين كونه كمرهم
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٠


الصفحة التالية
Icon