وفي "الجلالين" : خشيت إن فارقتهم واتبعتك أن يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضاً فتقول : أوقعت الفرق فيما بينهم ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى﴾ لم تحفظ وصيتي في حسن الخلافة عليهم يريد به قوله :﴿اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ﴾ فإن الإصلاح ضم النشر وحفظ جماعات الناس والمداراة بهم إلى أن ترجع إليهم وترى فيهم ما ترى فتكون أنت المتدارك للأمر بنفسك المتلافي برأيك لا سيما وقد كانوا في غاية القوة ونحن على القلة والضعف كما يعرف عنه قوله :﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى﴾ (الأعراف : ١٥٠).
وفي "العيون" : أي : لم تنظر في أمري أو لم تنتظر قدومي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٨
وفي "التأويلات النجمية" : يعني منعني ترقب قولك وإطاعة أمرك عن اتباعك لا عصيان أمرك انتهى وهذا الكلام من هارون اعتذار والعذر تحرى الإنسان ما يمحو به ذنوبه وذلك ثلاثة أضرب أن يقول لم أفعل أو يقول فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنباً أو يقول فعلت ولا أعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر دون العكس وكان هارون
٤١٩
حليماً رفيقاً ولذا كان بنو إسرائيل أشد حباله.
وعن علي رضي الله عنه أحسن الكنوز محبة القلوب.
قال سقراط : من أحسن خلقه طابت عيشته ودامت سلامته وتأكدت في النفوس محبته ومن ساء خلقه تنكدت عيشته ودامت بغضته ونفرت النفوس منه.
قال بزرجمهر ثمرة القناعة الراحة وثمرة التواضع المحبة :
أرى الحلم في بعض المواضع ذلة
وفي بعضها عزا يسود فاعله
قال أرسطو بإصابة المنطق يعظم القدر وبالتواضع تكثر المحبة وبالحلم تكثر الأنصار وبالرفق تستخدم القلوب وبالوفاء يدوم الإخاء وكان النبي عليه السلام لم يخرج عن حد اللين والرفق ولذا قال في وصفه بالمؤمنين ﴿رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة : ١١٧) وفي "المثنوي" :
بندكان حق رحيم وبردبار
خوى حق دارند در اصلاح كارمهربان بى رشوتان يارى كران
در مقام سخت ودر روز كران
هين بجو اين قوم را اى مبتلا
هين غنيمت دارشان يش از بلا
﴿قَالَ﴾ كأنه قيل فماذا صنع موسى بعد اعتذار القوم واعتذار هارون واستقرار أصل الفتنة على السامري فقيل قال موبخاله هذا شأنهم ﴿فَمَا خَطْبُكَ يا سَـامِرِيُّ﴾ الخطب لغة الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب وهو من تقاليب الخبط.
ففيه إشارة إلى عظيم خبطه والمعنى ما شأنك وما مطلوبك فيما فعلت وما الذي حملك عليه، وبالفارسية :(يست اين كار عظيم ترا اى سامرى يعني اين يست كه كردى) خاطبه بذلك ليظهر للناس بطلان كيده باعترافه ويفعل به وبما صنعه من العقاب ما يكون نكالاً للمفتونين به ولمن خلفهم من الأمم.
قال بعض الكبار ﴿فَمَا خَطْبُكَ يا سَـامِرِيُّ﴾ يعني فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص وصنعك هذا الشبح من حلي القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم فإن عيسى عبد الله يقول لبني إسرائيل يا بني إسرائيل قلب كل إنسان حيث ماله فاجعلوا أموالكم في السماء تكن قلوبكم هناك أي : تصدقوا وقدموا إلى الآخرة التي هي أبقى وأعلم وما سمى المال مالاً إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه في نيل المقاصد وتحصيل الحوائج، وفي "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٨
مال دنيا دام مرغان ضعيف
ملك عقبى دام مرغان شريفهين مشو كر عارفى مملوك ملك
مالك الملك آنكه بجهيد اوز هلك
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿قَالَ﴾ السامري مجيباً لموسى عليه السلام ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾.
قال في "القاموس" بصر به ككرم وفرح بصراً وبصارة وبكسر صار مبصراً.
وفي المفردات قلما يقال بصرت في الحاسة إذا لم تضامه رؤية القلب.
والمعنى رأيت ما لم يره القوم وقد كان رأى أن جبريل جاء راكب فرس وكان كلما وضع الفرس يديه أو رجليه على الطريق اليبس يخرج من تحته النبات في الحال فعرف أن له شأناً فأخذ من موطئه حفنة.
وفي الكبير رآه يوم فلق البحر حين تقدم خيل فرعون راكباً على رمكة ودخل البحر.
وفي غيره حين ذهب به إلى الطور.
وفي "الجلالين" قال موسى وما ذلك قال رأيت جبرائيل على فرس الحياة فألقي في
٤٢٠
نفسي أن أقبض من أثرها فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ولحم ودم فحين رأيت قومك سألوك أن تجعل لهم إلهاً زينت لي نفسي ذلك فذلك قوله تعالى :﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ أي : من تربة موطىء فرس الملك الذي أرسل إليك والمراد فرس الحياة لجبريل ولم يقل جبريل أو روح القدس لأنه لم يعرف أنه جبريل والقبضة المرة من القبض وهو الأخذ بجميع الكف أطلقت على المقبوض مرة ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ النبذ القاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به أي : طرحتها في الحلي المذابة أو في فم العجل فكان ما كان.
وفي "العرائس" : قبض السامري من أثر فرسه قبضة لأنه سمع من موسى تأثير القدسيين في أشباح الأكوان فنثرها على العجل الذهبي فجعل الحق لها إكسيراً من نور فعله ولذا حيى.